بَلى إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة، وقوله مَنْ أَسْلَمَ إلى آخره جملة شرطية مستأنفة، ويجوز أن يكون مَنْ أَسْلَمَ فاعلا لفعل محذوف أي بلى يدخلها من أسلم ويكون قوله فَلَهُ أَجْرُهُ كلاما معطوفا على يدخلها مَنْ أَسْلَمَ وفيه إشارة إلى أن لهؤلاء الداخلين برهانا وهو استسلام النفس وانقيادها لطاعة الله مع الإحسان وفيه ترغيب لهم في الإسلام وبيان لمفارقة حالهم حال من يدخل الجنة كأنه قيل لهم: أنتم على ما أنتم عليه لا تفوزون بالجنة، بلى إن غيرتم طريقتكم وأسلمتم وجهكم لله وأحسنتم فلكم الجنة وإنما خص الوجه بالذكر لأنه أشرف الأعضاء من حيث إنه معدن الحواس وينبوع الفكر والتخييل، فإذا تواضع الأشرف كان غيره أولى، ولأن الوجه قد يكنى به عن النفس والذات كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: ٨٨] إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى [الليل: ٢٠] ولأن أعظم العبادات السجدة وهي إنما تحصل بالوجه. وهذا الإسلام أخص من الإسلام الذي
ورد في الحديث «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا»
لأن هذا عبارة عن الإذعان الكلي بجميع القوى والجوارح في كل الأحوال والأوقات، وهو الإسلام الذي أمر به إبراهيم عليه السلام إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [البقرة: ١٣١] ويؤكد ذلك قوله لِلَّهِ أي خالصا له لا يشوبه شرك فلا يكون عابدا مع الله غيره ولا معلقا رجاءه بغيره، وزاد التأكيد بقوله وَهُوَ مُحْسِنٌ أي حال كونه محسنا في عمله، ومعنى الإحسان هو الذي في
الحديث «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك»
ولا ريب أن العبادة على هذا الوجه لا تصدر إلا عن صدق النية وصفاء الطوية، فإن مثول العبد بين يدي مولاه يشغله عن الالتفات إلى ما سواه، فلا يقع قصده فيما هو فيه إلا لوجه الله فلا يصدر عنه شيء من السيئات، وأما الطاعات والمباحات فتكون مقتضية لتزايد الحسنات ورفع الدرجات في
الخبر «من تطيب لله جاء يوم القيامة وريحه أطيب من ريح المسك، ومن تطيب لغير الله جاء يوم القيامة وريحه أنتن من الجيفة»
وذلك أن المتطيب إن كان قصده التنعم واستيفاء اللذات أو التودد إلى النسوان كان التطيب معصية، وإن كان قصده إقامة السنة ودفع الروائح المؤذية عن عباد الله وتعظيم المسجد فهو عين الطاعة، وكذا الكلام في المناكح والمطاعم والمشارب. والضابط أن كل ما فعلته لداعي الحق فهو العمل الحق، وكل ما عملته لغير الله فحلالها حساب وحرامها عذاب،
روي أن رجلا في بني إسرائيل مر بكثبان من رمل في مجاعة فقال في نفسه: لو كان هذا الرمل طعاما لقسمته بين الناس. فأوحى الله تعالى إلى نبيه قل له: إن الله قد صدقك وشكر حسن نيتك وأعطاك ثواب ما لو كان طعاما فتصدقت