الحال أي اقرأ القرآن مفتتحا أو متلبسا باسم ربك وهو لغو. والباء للآلة وقد مر وجهه في تفسير البسملة. وكذا وجه من جعله متعلقا ب اقْرَأْ الثانية أي استعن باسم ربك واتخذه آلة في تحصيل هذا الذي عسر عليك. وقيل: هي بمعنى اللام أي اجعل هذا الفعل واقعا لله كقولك «بنيت الدار باسم الأمير» . «وصنفت الكتاب باسم الوزير» . فالعبادة صارت لله تعالى لم يكن للشيطان فيها نصيب. وفي تخصيص الرب بالذكر في هذا الموضع معنيان: أحدهما ربيتك فلزمك القضاء والشكر فلا تتكاسل. والثاني أن الشروع ملزم للإتمام وقد ربيتك منذ كذا فكيف أضيعك بعد هذا فلا تفزع. ثم دل على كونه ربا بقوله الَّذِي خَلَقَ أطلق الخلق أولا ليتناول كل المخلوقات، ثم خص الإنسان بالذكر لشرفه أو لعجيب فطرته، أو لأن سوق الآية لأجله. ويجوز أن يكون الأول متروك المفعول إشارة إلى أنه لا خالق سواه ولا يتصف بهذا الاسم غيره، وحينئذ يستدل به على إبطال مذهب المعتزلة في أن العبد خالق أفعال نفسه. قال أهل العلم: إن الحكيم إذا أراد أمر استعمل فيه التدريج كما يحكى أن زفر حين بعثه أبو حنيفة إلى البصرة لتقرير مذهبه لم يلتفتوا إلى قوله وأبوا عن قبوله، فرجع إلى أبي حنيفة وأخبره بذلك فقال: إنك لم تعرف طريق التبليغ لكن ارجع إليهم واذكر في المسألة أقاويل المتهم ثم بين ضعفها ثم قل بعد ذلك هاهنا قول آخر واذكر قولي وحجتي، فإذا تمكن ذلك في قلبهم قل هذا قول أبي حنيفة فإنهم يقبلونه حينئذ. والمقصود من الحكاية أن الله تعالى كان يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم هؤلاء عبدة الأوثان والفطام من المألوف شديد، فلو خالفتهم أول مرة وصرحت عن محض الحق أبوا أن يقبلوه فاذكر لهم أولا أنّهم المخلوقون من العلقة فلا يمكنهم الإنكار، ثم قل ولا بد للفعل من فاعل فلا يمكنهم أن يضيفوا ذلك إلى الوثن لعلمهم بأنهم نحتوه، فإذا تأملوا أنصفوا أن من لم يخلق لم يكن إلها، والعلق جمع العلقة وإنما لم يقل علقة لأن الإنسان في معنى الجمع وفي تكرار اقرأ وجوه: اقرأ لنفسك ثم اقرأ للتبليغ، أو اقرأ في خارج صلاتك، أو الأول للتعلم والثاني للتعليم وهذا قريب من الأول.
والأوجه أن يراد بالأول أوجد القراءة ويكون قوله بِاسْمِ رَبِّكَ متعلقا ب اقْرَأْ الثاني كما مر في تفسير البسملة، قلت: ويمكن أن يكون الأول إشارة إلى كونه قارئا بالقوة ولهذا رتب عليه خلق الإنسان من علق، والثاني إشارة إلى كونه قارئا بالفعل ولهذا وصف نفسه بالأكرمية ورتب عليه تعليم الخط والعلم. وفضائل الخط كثيرة حتى مدح بالرسائل والأشعار وكفاك في مدحه أنه تعالى حين عدد على الإنسان نعمة الخلق والتسوية وتعديل الأعضاء الظاهرة والباطنة وصف نفسه بالكرم قائلا ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ [الانفطار: ٦] وحيث من عليه بالخط والتعليم مدح ذاته بالأكرمية فقال متعرضا