وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ أي علم الإنسان بواسطة القلم أو علمه الكتابة بالقلم.
يروى أن سليمان عليه السلام سأل عفريتا عن الكلام فقال: ريح لا يبقى. قال: فما قيده؟
قال: الكتابة فإن القلم صياد يصيد العلوم يبكي تارة ويضحك بركوعه يسجد الأنام وبحركته تبقى العلوم على ممر الليالي والأيام،
وقوله عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ يجوز أن يكون بيانا للأول أي علمه بالقلم كقول القائل «أحسنت إليك ملكتك الأموال وليتك الولايات.»
ويحتمل أن يراد علم بالقلم وعلمه أيضا غير ذلك. وفي الآية إشارة إلى إثبات العلوم السمعية الموقوفة على النقل والكتابة بل إلى إثبات النبوة كما أن أول السورة يدل على الأوصاف الإلهية. قوله سبحانه كَلَّا ذكر بعض العلماء أنه بمعنى حقا لأنه ليس قبله ولا بعده شيء يتوجه إليه الردع. وقال صاحب الكشاف: إنه ردع لمن كفر بنعمة الله عليه وطغى وهذا معلوم من سياق الكلام وإن لم يذكر. وقال مقاتل: كلا لا يعلم الإنسان أنه خلق من علقة وصار عالما بعد أن كان جاهلا وذلك لاستغراقه في حب المال والجاه فلا يتأمل في هذه الأحوال. ومعنى أَنْ رَآهُ لأن رأى نفسه فحذف حرف الجر على القياس، وحذف النفس لخاصية فعل القلب وهي جواز الجمع بين ضميري الفاعل والمفعول فيه. وأكثر المفسرين على أن المراد بالإنسان هاهنا إنسان واحد هو أبو جهل. ومنهم من يقول: خمس آيات من أول هذه السورة نزلت أولا ثم نزل باقيها في أبي جهل بعد ذلك بزمان فضم إليها.
وقيل: نزلت فيه من قوله أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى إلى آخر السورة والإنسان عام فإن قيل: لم قال في حق فرعون إِنَّهُ طَغى [النازعات: ١٧] وفي حق أبي جهل لَيَطْغى قلنا: إنما أخبر بذلك عن فرعون قبل أن يلقاه موسى وقبل أن يعرض عليه الأدلة، وأما هذه الآية فنزلت تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم حين رد أبو جهل عليه أقبح الرد. وأيضا إن فرعون مع كمال سلطنته ما كان يؤذي موسى إلا بالقول وأبو جهل مع قلة جاهه كان يقصد قتل النبي صلى الله عليه وسلم، وفرعون كان قد أحسن إلى موسى أولا وقال آخرا آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ [يونس: ٩] وأما أبو جهل فكان يحسد النبي صلى الله عليه وسلم في صباه وقال في آخر عمره: بلغوا عني محمدا أني أموت ولا أجد أبغض إليّ منه. وأيضا إنهما وإن كانا رسولين لكن الحبيب في مقابلة الكليم كاليد في مقابلة العين، والعاقل يصون عينه فوق ما يصون يده بل يصون عينه باليد فلهذا كانت المبالغة هاهنا أكثر. واعلم أن المال ليس سببا للطغيان على الإطلاق ولهذا ذهب جم غفير إلى أن الإنسان في الآية مخصوص وكيف لا وإنه لم يزد سليمان عليه السلام إلا تواضعا وعبودية.
روي أنه كان يجالس المساكين ويقول: مسكين جالس مسكينا. وكان عبد الرحمن بن عوف من كبار الصحابة كثير المال،