يعد المحن والمصائب وينسى النعم والراحات، والأكثرون على أن الإنسان هو الكافر لقوله بعد ذلك أَفَلا يَعْلَمُ ويحتمل أن يراد أن جنس الإنس مفطور على ذلك إلا من عصمه الله بلطفه وتوفيقه أَفَلا يَعْلَمُ يجوز أن يكون توبيخا على أنه لا يعمل بعلمه. والضمير في قوله وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ أما أن يعود إلى الرب وهو أقرب فيكون كالوعيد من حيث إن الله يحصى عليه أعماله، وإما أن يعود إلى الإنسان أي أنه على كنوده لَشَهِيدٌ لا يقدر أن يجحده لظهور أماراتها عليه، وقد يرجح هذا الوجه بأن الضمير في قوله وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ للإنسان فناسب أن يكون الأول له أيضا لئلا ينخرم النسق. والخير المال كقوله إِنْ تَرَكَ خَيْراً [البقرة: ١٨٠] والشديد البخيل الممسك يريد إنه لأجل حب المال لبخيل وقيل:
الشديد القوي أي إنه لأجل إيثار الدنيا وطلب ما فيها مطيق قوي، ولأجل عبادة ربه عاجز ضعيف. أو إنه لحب الخيرات الحقيقية غير ميسر منبسط ولكنه شديد منقبض. وقال الفراء: إنه لحب الخير لشديد الحب أي أنه يحب المال ويحب كونه محبا له فاكتفى بالحب الأول من الثاني. وقال قطرب: اللام بمنزلة قولك «إنه لزيد ضروب» . والتقدير إنه شديد حب الخير. ثم وبخه وخوفه بالعلم التام الأزلي الأبدي الشامل لأحوال مبدأ الإنسان ومعاده وبُعْثِرَ مثل بحثر كما مر في «انفطرت» وإنما لم يقل من في القبور بل قال ما فِي الْقُبُورِ بحكم التغليب فإن أكثر ما في الأرض ليسوا مكلفين، والذين هم مكلفون يجوز أن يكونوا حال البعثرة أمواتا غير عقلاء ويصيروا أحياء بعد البعثرة، قال أبو عبيدة وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ أي ميز ما فيها فلكل واحد من الواجب والمندوب والمباح والمكروه والمحظور حكم خاص. وقيل: معناه جمع ما في الصدور في الصحف أي أظهر محصلا مجموعا.
وقيل: يكشف ما في البواطن من الأخبار وما في الأستار من الأسرار ويندرج فيه أعمال الجوارح تبعا. وإنما لم يقل ما في القلوب لأن القلب مطية الروح وهو بالطبع محب لمعرفة الله تعالى إنما المنازع في هذا الباب هو النفس ومحلها ما يقرب من الصدر، وإنما جمع الضمير في قوله إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ حملا على معنى الإنسان. ومعنى تقييد العلم بذلك الزمان حيث قال يَوْمَئِذٍ وهو عالم بأحوالهم أزلا وأبدا التوبيخ وكأنه تعالى قال: إن من لم يكن عالما في الأزل فإنه يصير بعد الاختبار عالما، فالذي هو عالم في الأزل كيف لا يكون خبيرا بهم في الأبد؟ ويجوز أن يكون سبب التقييد هو أن ذلك وقت المجازاة على حسب العلم بالأعمال والأقوال والأحوال وإليه المصير والمآب