رفع الذكر أو العلم وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
[النساء: ١١٣] أو الخلق الحسن وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: ٤] وقد يقال: إن هذه السورة مع قصرها معجزة من وجوه لما فيها من الإخبار بالغيوب وهو الوعد بكثرة الأتباع والأولاد وزوال الفقر حتى نحر مائة بدنة في يوم واحد وقد وقع مطابقا، ولأنهم عجزوا عن معارضتها مع قصرها فإنها أقصر سورة من القرآن.
قوله فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ في الصلاة أقوال: فعن مجاهد وعكرمة معناه اشكر لربك، وفائدة الفاء أن شكر النعمة يجب على الفور لا على التراخي، وقيل: هي الدعاء كأنه قال: قبل سؤالك ودعائك ما بخلنا عليك بالكوثر فكيف بعد سؤالك فسل تعط واشفع تشفع وذلك أنه أبدا كان في هم أمته. والأقرب وعليه الأكثرون أنها الصلاة ذات الهيئات والأركان لأنها مشتملة على الدعاء والشكر وعلى سائر المعاني المنبئة عن التواضع والخدمة، ولأن حمله على الشكر يوهم أنه ما كان شاكرا قبل ذلك لكنه كان من أول أمره مطيعا لربه شاكرا لنعمه. أما الصلاة فإنه إنما عرفها بالوحي،
يروى أنه حين أمر بالصلاة قال: كيف أصلي ولست على وضوء؟ فقال الله: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ وضرب جبرائيل بجناحه على الأرض فنبع ماء الكوثر فتوضا فقيل له عند ذلك فَصَلِ
وإن حمل الكوثر على الرسالة فكأنه قال:
أعطيتك الرسالة لتأمر نفسك وسائر الخلق بالطاعات فَصَلِّ وفي قوله لِرَبِّكَ إشارة إلى وجوب الأضحى مخالفة عبدة الأوثان. وإنما لم يقل لنا سلوكا لطريقة الالتفات وإفادة لنوع من التعظيم كقول الخلفاء «يرسم أمير المؤمنين كذا» ولأن الجمعية في هذا المقام توهم الاشتراك والعدول إلى الوحدة لوقال «لي» انقطع النظم، ولأنه يفيد أن سبب العبادة هو التربية، ثم الذين فسروا الصلاة بما عرف في الشرع اختلفوا فالأكثرون على أنها جنس الصلاة لإطلاق اللفظ، وإنما لم يذكر الكيفية لأنها كانت معلومة قبل ذلك. وقال الآخرون:
إنها صلاة عيد الأضحى لاقترانها بقوله وَانْحَرْ وكانوا يقدمون الأضحية على الصلاة فأمروا بتأخيرها عنها. والواو تفيد الترتيب استحسانا وأدبا وإن لم تفده قطعا. وقال سعيد بن جبير: صل الفجر بالمزدلفة وانحر بمنى والمناسبة بين نحر البدن وبين جنس الصلاة أن المشركين كانت صلاتهم وقرا بينهم للأصنام فأمر صلى الله عليه وسلم بأن تكون صلاته وقربانه لله تعالى، وكان النحر واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال صلى الله عليه وسلم «ثلاث كتبن عليّ ولم تكتب على أمتي.
الضحى والأضحى والوتر» .
وإنما لم يقل ضح وإن كان أشمل لأن أعز الأموال عند العرب هو الإبل فأمر بنحرها وصرفها إلى طاعة الله ففي ذلك قطع العلائق الجسمانية ورفع العوائق