يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة من ذهب، فنحرها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعيا صلى الله عليه وسلم، ثم أمر عليا بذلك وكانت النوق يزدحمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أخذ علي عليه السلام السكين تباعدت منه عليه السلام،
قال عامة أهل التفسير كابن عباس ومقاتل والكلبي: إن العاص بن وائل وجمعا من صناديد قريش يقولون:
إن محمدا أبتر لا ابن له يقوم مقامه بعده، فإذا مات انقطع ذكره واسترحنا منه، وكان قد مات ابنه عبد الله ابن خديجة فأنزل الله تعالى هذه السورة كما مر في أول «المائدة» .
والشنء البغض والشانئ المبغض والبتر في اللغة استئصال القطع ومنه الأبتر المقطوع الذنب، فاستعير للذي لا عقب له ولمن انقطع خبره وذكره، فبين الله تعالى بهذه الصيغة المفيدة للحصر أن أولئك الكفرة هم الذين ينقطع نسلهم وذكرهم، وأن نسل محمد صلى الله عليه وسلم ثابت باق الى يوم القيامة كما
أخبر بقوله «كل حسب ونسب ينقطع إلا حسبي ونسبي»
وإن دين الإسلام لا يزال يعلو ويزيد والكفر يعلى ويقهر إلى أن يبلغ الدين مشارق الأرض ومغاربها كما قال أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها [الرعد: ٤١] قال بعض أهل العلم: إن الكفار لما شتموه بأنه أبتر أجاب الله عنه من غير واسطة فقال إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ وهكذا سنة الأحباب إذا سمعوا من يشتم حبيبهم تولوا بأنفسهم جوابه، ونظيره في القرآن كثير قالوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ إلى قوله أَمْ بِهِ جِنَّةٌ فقال سبحانه بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ [سبأ: ٧، ٨] وقالوا هو مجنون فأقسم الله ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [القلم: ١، ٢] وقالوا لست مرسلا فقال يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
[يس:
١، ٣] وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ [الصافات: ٣٦] فرد عليهم بقوله بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ [الصافات: ٣٦] ثم ذكر وعيد خصمائه بقوله إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ [الصافات: ٣٨] وحين قال حاكيا أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ [الطور: ٣٠] قال وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ [يس: ٦٩] وقالوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ [الفرقان: ٤] فأجابهم بقوله فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً [الفرقان: ٤] وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الفرقان: ٥، ٦] فقال قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ [الفرقان: ٥، ٦] وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ [الفرقان: ٧] فأجابهم بقوله وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ [الفرقان: ٢٠] فما أجل هذه الكرامة! وقال أهل التحقيق السالكون: بل الواصلون لهم ثلاث درجات أعلاها أن يكونوا مستغرقين بقلوبهم وأرواحهم في نور جلال الله وأشار إليها بقوله