للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجعلت لها بابين شرقيا وغربيا» «١»

ثم إن ابن الزبير هدمه أيام ولايته وبناه على قواعد إبراهيم، ثم لما استولى عليه الحجاج هدمه وأعاده على الصورة التي هو عليها اليوم وهي بناء قريش. ولنعد إلى المقصود فنقول يَرْفَعُ حكاية حال ماضية، والقواعد جمع قاعدة وهي الأساس والأصل لما فوقه وهي صفة غالبة معناها الثابتة، ورفع الأساس البناء عليها لأنها إذا بنى عليها نقلت من هيئة الانخفاض إلى هيئة الارتفاع، ويجوز أن يكون المراد بها سافات البناء لأن كل ساف قاعدة للذي يبنى عليه ويوضع فوقه فيرتفع كل منها بسبب وضع الآخر عليه، ورفع القواعد صريح فيما ذهب إليه الأكثرون من أن القواعد كانت موجودة وأن ابراهيم عمّرها ورفعها كما مر في الأحاديث. وإنما لم يقل «قواعد البيت» ليكون الكلام مبنيا على تبيين بعد إبهام ففيه تفخيم لشأن المبين، ثم إن الله تعالى حكى عنهما ثلاثة أنواع من الدعاء في تلك الحالة الأول: قولهما تَقَبَّلْ مِنَّا وقبول الله عمل العبد عبارة عن كون العمل بحيث يرضاه الله تعالى أو يثبت عليه، والأول ألذ عند العارفين من الثاني، شبه الفعل من العبد بالهدية، وإثابة الله تعالى عليه ورضاه به بالقبول. وقيل: إن بين القبول والتقبل فرقا، فالتقبل عبارة عن تكلف القبول وذلك حيث يكون العمل ناقصا لا يستحق أن يقبل، فاختير تقبل هضما وتواضعا واستقصارا. وقد يستدل بهذا على أن الفعل المقرون بالإخلاص لا يجب ترتب الثواب عليه وإلا لم يكن في طلبه فائدة، ويحتمل أن يقال: الطلب متوجه إلى جعله من جملة الأفعال المقرونة بالإخلاص، فكنى بطلب القبول عن ذلك ويؤكده قولهما إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ يعني سماع إجابة العليم بنياتنا. النوع الثاني رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ فإن أريد بالإسلام الدين والاعتقاد توجه الطلب إلى الثبات والدوام أي ثبتنا على ذلك وإلا كان تحصيلا للحاصل بالنسبة إليهما وقتئذ، وإن أريد الاستسلام والخضوع والإذعان الكلي والرضا بكل ما قدر وأمر فتوجه الطلب إلى هذه الأمور أنفسها غير مفيد لأنها أمور خارجة عن الضبط لا تتيسر إلا بمجرد تيسير الله وتوفيقه بخلاف أصل الإسلام الذي وقع به التكليف فإنه مضبوط. وقد يظن أن للعبد اختيارا فيه وإن كان اختياره على تقدير ثبوته ينتهي إلى مسبب الأسباب. وقوله وَاجْعَلْنا إما معطوف على تَقَبَّلْ وقوله إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنا اعتراض للتأكيد وإما معطوف على محذوف أي ربنا افعل هذا واجعلنا. وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا من للتبعيض كما في قوله وَمِنْ ذُرِّيَّتِي [البقرة: ١٢٤] .


(١) رواه البخاري في كتاب الحج باب ٤٢. مسلم في كتاب الحج حديث ٣٩٩. النسائي في كتاب الحج باب ١٢٥. الموطأ في كتاب الحج حديث ١٠٤. أحمد في مسنده (٦/ ١١٢، ٢٥٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>