للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأمة الجماعة من الناس، وقيل أراد أمة محمد صلى الله عليه وسلم مُسْلِمَةً يحتمل هاهنا أصل الإسلام والزيادة عليه أيضا. وقيل: أسلم مطلقا يفيد الإيمان والاعتقاد ومعدى باللام معناه الاستسلام والانقياد الكلي. طلب الإسلام لهم بعد ما طلب لهم الإمامة إظهارا للشفقة. فالشفيق بسوء الظن مولع، ويحتمل أن يكون هذا الدعاء بيانا لما أجمل هناك فيكونان واحدا. وتخصيص الذرية بالدعاء من بين الخلائق لأنهم أحق بالنصيحة وأقوم قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً [التحريم: ٦] ولأنهم أئمة بصلاحهم يصلح غيرهم وفي سدادهم يكون سداد من وراءهم.

ولقد استجاب الله دعاءه فلم يزل في ذريتهما من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا، ولم يزل الرسل من ذرية إبراهيم، وقد كان في الجاهلية زيد بن عمرو ابن نفيل وقس بن ساعدة.

ويقال عبد المطلب بن هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم على دين الحق قائلين بالإبداء والإعادة والثواب والعقاب يوحدون الله ولا يأكلون الميتة ولا يعبدون الأوثان وَأَرِنا إن كان منقولا عن رؤية العلم فمعناه علمنا أن شرائع حجنا كيف هي إذ أمرتنا ببناء البيت لنحجه وندعو الناس إلى حجه، وإن كان منقولا عن رؤية البصر- وهو الأظهر- ولذلك لم يتجاوز مفعولين ظاهرا. فالمعنى بصرنا متعبداتنا في الحج. قال الحسن: إن جبريل أرى إبراهيم المناسك كلها حتى بلغ عرفات فقال: يا إبراهيم أعرفت ما أريتك من المناسك؟ قال: نعم، فسميت عرفات. فلما كان يوم النحر أراد أن يزور البيت عرض له إبليس فسد عليه الطريق، فأمر جبريل أن يرميه بسبع حصيات ففعل فذهب الشيطان، ثم عرض له في اليوم الثاني والثالث والرابع وكل ذلك يأمره جبريل برمي الحصيات. وقيل: المراد العلم والرؤية معا لأن الحج لا يتم إلا بأمور بعضها يعلم ولا يرى، وبعضها لا يتم الغرض منه إلا بالرؤية، فوجب حمل اللفظ على الأمرين جميعا وليس ببعيد، فإن اللفظ المشترك يصح إطلاقه على معنييه معا وكذلك مدلولا الحقيقة والمجاز يصح إرادتهما معا من لفظ واحد كالعقد والوطء من النكاح. غاية ما في الباب أن يكون هذا الإطلاق مجازا، ومن الناس من يحمل المناسك على المذابح. فقد يسمى الذبح للتقرب نسكا والذبيحة نسيكة، وليس لهذا التخصيص وجه فإن الذبح إنما يسمى نسكا لدخوله تحت أصل معنى النسك وهو التعبد، فحمل المناسك على جميع أعمال الحج أولى

قال صلى الله عليه وسلم «خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا» «١»

بل لا يبعد أن يحمل على جميع ما شرعه الله لإبراهيم أي علمنا كيف نعبدك ومتى وأين نعبدك، وبماذا نتقرب إليك حتى نخدمك بذلك خدمة العبد لمولاه؟ وَتُبْ عَلَيْنا التوبة منهما محمولة على ما عسى أن يكون فرط منهما من الصغائر عند من يجوّزها على


(١) رواه النسائي في كتاب المناسك باب ٢٢٠. أحمد في مسنده (٣/ ٣١٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>