للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تتكافأ دماؤهم» «١»

وقد يقتل الجماعة بواحد فدل على أن التفاضل غير معتبر في الأنفس ثم إنهم قالوا: الفائدة في تخصيص هذه الجزئيات بالذكر ما ذكرنا في سبب النزول أنهم كانوا يقتلون بالعبد منهم الحر من قبيلة القاتل فمنعوا عن ذلك. وأيضا

نقل عن علي رضي الله عنه والحسن البصري أن الغرض أن هذه الصورة هي التي يكتفى فيها بالقصاص.

أما في سائر الصور وهي ما إذا كان القصاص واقعا بين الحر والعبد وبين الذكر والأنثى فهناك لا يكتفي بالقصاص، بل لا بد من التراجع. فأيما حر قتل عبدا فقود به، فإن شاء موالي العبد أن يقتلوا الحر قتلوه بشرط أن يسقطوا قيمة العبد من دية الحر ويؤدوا إلى أولياء الحر بقية ديته، وإن قتل عبد حرا فهو به فإن شاء أولياء الحر قتلوا وأسقطوا قيمة العبد من دية الحر وأدوا بعد ذلك إلى أولياء الحر بقية ديته، وإن شاءوا أخذوا كل الدية وتركوا قتل العبد.

وإن قتل رجل امرأة فهو بها قود، فإن شاء أولياء المرأة قتلوه وأدوا بعد ذلك نصف ديته إلى أوليائه، وإن شاءوا تركوا قتله وأخذوا ديتها. وإذا قتلت امرأة رجلا فهي به قود، فإن شاء أولياء الرجل قتلوها وأخذوا نصف الدية، وإن شاءوا تركوها وأخذوا كل الدية، فعلى هذا الغرض من الآية أن الاكتفاء بالقصاص مشروع بين الحرين والعبدين والذكرين والأنثيين، فأما عند اختلاف الجنس فالاكتفاء بالقصاص غير مشروع.

قوله تعالى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ المعنى فمن عفي له من جهة أخيه شيء من العفو كقولك «سير بزيد بعض السير وطائفة من السير» ولا يصح أن يكون شيء في معنى المفعول به لأن عفا لا يتعدى إلى مفعول به إلا بواسطة. فإن قيل: إن «عفا» يتعدى بعن لا باللام فما وجه قوله فَمَنْ عُفِيَ لَهُ فالجواب أنه يتعدى بعن إلى الجاني وإلى الذنب فيقال: عفوت عن فلان وعن ذنبه. قال تعالى عَفَا اللَّهُ عَنْكَ [التوبة: ٢٣] فإذا تعدى إلى الذنب وإلى الجاني معا قيل «عفوت لفلان عما جنى» كما تقول «غفرت له ذنبه» وتجاوزت له عنه. فمعنى الآية فمن عفى له عن جنابته. فاستغنى عن ذكر الجناية. فإنما قيل شيء من العفو ليعلم أنه إذا عفي له طرف من العفو وبعض منه بأن يعفى عن بعض الدم أو عفا عنه بعض الورثة تم العفو وسقط القصاص ولم يجب إلا الدية. وأخوه هو ولي المقتول وإنما قيل له أخوه لأنه لابسه من قبل أنه ولي الدم ومطالبه به كما تقول للرجل «قل لصاحبك كذا» إذا كان بينهما أدنى تعلق. أو ذكره بلفظ الأخوة ليعطف أحدهما على


(١)
رواه أبو داود في كتاب الجهاد باب ١٤٧. النسائي في كتاب القسامة باب ١٠. ابن ماجه في كتاب الديات باب ٣١. بلفظ «المؤمنون» بدل «المسلمون» .

<<  <  ج: ص:  >  >>