على الكفر والمعاصي. فكأن نفسه خرجت عن ملكه وصارت حقا للنار، وإذا أقدم على الطاعة صار كأنه اشترى نفسه من النار فصار حال المؤمن كالمكاتب يبذل دراهم معدودة ويشتري بها نفسه، والمؤمن يبذل أنفاسا معدودة ويشتري بها نفسه، لكن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم. فكذا المكلف لا ينجو عن ربقة العبودية ما دام بقي له نفس واحد في الدنيا، وهذا كقول عيسى عليه السلام وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا [مريم:
٣١] وقوله عز من قائل لنبيه وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر: ٩٩] وابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ أي طلب رضوانه نصب على العلة الغائية. وفيه دليل على أن كل مشقة يتحملها الإنسان يجب أن تكون على وفق الشرع ومطلوبا بها جانب الحق وإلا كان عمله ضلالا وكده وبالا. وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ فمن رأفته جعل النعيم الدائم جزاء على العمل القليل، وجوز لهم كلمة الكفر إبقاء على النفس إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [النحل: ١٠٦] ومن رأفته أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، ومن رأفته أن المصر على الكفر مائة سنة إذا تاب ولو في لحظة أسقط عقابه وأعطاه ثوابه، ومن رأفته أن النفس له والمال له ثم إنه يشتري ملكه بملكه فضلا منه وامتنانا ورحمة وإحسانا.
قوله سبحانه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً أصل السلم بالكسر، والفتح الاستسلام والطاعة. ويطلق أيضا على الصلح وترك الحرب والمنازعة. وهو أيضا راجع إلى هذا وإنه يذكر ويؤنث. واختلف في المخاطبين فقيل: أمر للمسلمين بما يضاد حال المنافقين أي يا أيها الذين آمنوا بالألسنة والقلوب دوموا على الإسلام فيما تستأنفونه من أيامكم ولا تخرجوا منه ولا من شيء من شرائعه. وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ لا تلتفتوا إلى الشبهات التي يلقيها إليكم أهل الغواية، والكائن في الدار إذا علم أن له في المستقبل خروجا منها لا يمتنع أن يؤمر بدخولها في المستقبل حالا بعد حال. ومعلوم أن المؤمنين قد يخرجون عن خصال الإيمان بالنوم والسهو وغيرهما من الأحوال، فلا يبعد أن يأمرهم الله بالدخول في الإسلام فيما يستأنف من الزمان. أو أمرهم بأن يكونوا مجتمعين في نصرة الدين واحتمال البلوى فيه. ولا تتبعوا آثار الشيطان بالإقبال على الدنيا والجبن والخور في أمر الدين مثل وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا [الأنفال: ٤٦] أو يكون المراد بالدخول في السلم ترك الذنوب والمعاصي، فإن من مذهبنا أن الإيمان باق مع الذنب والعصيان، أو يكون المراد الرضا بالقضاء والتلقي لجميع المكاره بالبشر والطلاقة كما
ورد في الخبر «الرضا بالقضاء باب الله الأعظم»
أو يكون المراد ترك الانتقام وسلوك طريق العفو والإغماض وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً [الفرقان: ٦٣] وقوله: كَافَّةً يصلح أن يكون حالا من المأمورين أي ادخلوا بأجمعكم في السلم ولا تتفرقوا ولا تختلفوا وأن يكون حالا من السلم على أنها