للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظهرت على يده كانت خارجة عن حدّ البشر، وهم أنكروها وأضافوها إلى الجن والشياطين، فقد أثبتوا شريكا لله سبحانه في خلق هذه الأشياء الخارجة عن قدرة البشر.

واعترض عليه بأن اليهودي حيث لا يسلم أن ما ظهر على يد محمد صلى الله عليه وسلم هو من جنس ما لا يقدر العباد عليه، لم يلزم أن يكون مشركا بسبب إضافة ذلك إلى غير الله. والجواب أنه لا اعتبار بإقراره، وإنما الاعتبار بالدليل، فإذا ثبت بالدليل أن ذلك المعجز خارج عن قدرة البشر، فمن أضاف ذلك إلى غير الله كان مشركا كما لو أسند خلق الحيوان والنبات إلى الأفلاك والكواكب. احتج المخالف بأنه تعالى فصل بين أهل الكتاب والمشركين في الذكر حيث قال ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ [البقرة: ١٠٥] لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ [البينة: ١] والعطف يقتضي التغاير. وأجيب بأن كفر الوثني أغلظ وهذا القدر يكفي في العطف، أو لعله خص أوّلا ثم عمم. هذا وقد سلف في تفسير قوله عز من قائل فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً [البقرة: ٢٢] أن أكثر عبدة الأوثان مقرون بأن إله العالم واحد، وأنه ليس له في الإلاهية بمعنى خلق العالم وتدبيره شريك ونظير، فظهر أن وقوع اسم المشرك عليهم ليس بحسب اللغة بل بالشرع كالصلاة والزكاة. وإذا كان كذلك فلا يبعد بل يجب اندراج كل كافر تحت هذا الاسم، لا سيما

وقد تواتر النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يسم كل من كان كافرا بأنه مشرك.

التفريع إن قيل: المشركات تشمل الحربيات والكتابيات جميعا فالآية منسوخة أو مخصصة بقوله وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة: ٥] لأن سورة المائدة كلها ثابتة لم ينسخ شيء منها قط وهو قول ابن عباس والأوزاعي. لا يقال: لعل المراد من آمن بعد أن كان من أهل الكتاب لأن قوله وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ [المائدة: ٥] يشمل من آمن منهنّ فيبقى قوله وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ [المائدة: ٥] ضائعا ولإجماع الصحابة على جواز نكاح الكتابيات نقل أن حذيفة تزوّج بيهودية أو نصرانية فكتب إليه عمر أن خل سبيلها. فكتب إليه: أتزعم أنها حرام؟ فقال:

لا، ولكني أخاف.

وعن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نتزوّج نساء أهل الكتاب ولا يتزوّجون نساءنا»

وعن عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المجوس: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم»

ولو لم يكن نكاح نسائهم جائزا لكان هذا الاستثناء خاليا عن الفائدة. وإن قيل: إن المشركات تختص بالحربيات، فالآية ثابتة وباقية على عمومها. ومن الناس من زعم أن هذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من التزوج بالمشركات. روي هذا عن الحسن وزيف بأن رفع مباح الأصل ليس

<<  <  ج: ص:  >  >>