للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنسخ لأن الناسخ والمنسوخ يجب أن يكونا حكمين شرعيين إلا أن يقال: إن تجويز نكاح المشركة قبل نزول الآية كان ثابتا من قبل الشرع. قوله حَتَّى يُؤْمِنَّ اتفق الكل على أن المراد منه الإقرار بالشهادة والتزام أحكام الإسلام، ولكن لا يدل هذا على أن الإيمان في عرف الشرع عبارة عن الإقرار فقط لما مر في تفسير قوله الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة: ٣] أنه لا بد في الإيمان الحقيقي من التصديق القلبي، إلا أنه اكتفي هاهنا بالإقرار اللساني لأنه هو أمارة الإيمان بالنسبة إلينا، فلا اطلاع لنا على صميم القلب، والسرير موكولة إلى علام الخفيات. فإن وافق سره العلن كان مؤمنا حقا وإلا كان منافقا جدا وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ هذه اللام في إفادة التوكيد تشبه لام القسم. والمراد بالأمة وكذا بالعبد في قوله وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ أمة الله وعبده لأن الناس كلهم عبيدا لله وإماؤه أي ولا مرأة مؤمنة حرة كانت أو مملوكة خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ للمبالغة والجواب محذوف أي ولو كانت المشركة تعجبكم بمالها وجمالها ونسبها، فالمؤمنة خير منها لأن الإيمان يتعلق بالدين والمال، والجمال والنسب يتعلق بالدنيا، ورعاية الدين أولى من رعاية الدنيا إن لم يتيسر الجمع بينهما. وقد تحصل المحبة والتآلف عند التوافق في الدين فتكمل منافع الدنيا أيضا من حسن الصحبة والعشرة وحفظ الغيب وضبط الأموال والأولاد، وأما عند اختلاف الدين فتنعكس هذه القضايا. وقد يرى أضداد ما توقع منها ولهذا

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسنها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك» «١»

وقد ظن بعضهم أن المراد بالأمة ضد الحرة فقال: التقدير: ولأمة مؤمنة خير من حرة مشركة. ولهذا ذهب بعض آخر إلى أن في الآية دلالة على أن القادر على طول الحرة يجوز له التزوّج بالأمة على ما هو مذهب أبي حنيفة، لأن الآية دلت على أن الواجد لطول الحرة المشركة يكون لا محالة واجدا لطول الحرة المسلمة، لأنه بسبب التفاوت في الإيمان والكفر لا يتفاوت قدر المال المحتاج إليه في أهبة النكاح، فيلزم قطعا أن يكون الواجد لطول الحرة المسلمة يجوز له نكاح الأمة وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا لا خلاف هاهنا في أن المراد به الكل، وأن المؤمنة لا يحل تزويجها من الكافر على اختلاف أقسام الكفر أُولئِكَ المشركات والمشركون يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ أي إلى ما يؤدي إليها، فإن الزوجية مظنة الألفة والمحبة في الظاهر، وقد تحمل المودة على الاتفاق في الدين


(١) رواه البخاري في كتاب النكاح باب ١٥. أبو داود في كتاب النكاح باب ٢. النسائي في كتاب النكاح باب ١٣. ابن ماجه في كتاب النكاح باب ٦. الدارمي في كتاب النكاح باب ٤. الموطأ في كتاب النكاح حديث ٢١. أحمد في مسنده (٢/ ٤٢٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>