للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن لا ترضى إلا بالصداق الكثير، فكذلك للزوج أن لا يرضى عند المخالعة إلا بالبذل الكثير لا سيما وقد أظهرت الاستخفاف بالزوج حيث أظهرت بغضه وكراهته، ويتأكد هذا بما روي أن امرأة نشزت على زوجها فرفعت إلى عمر فأباتها في بيت الزبل ثلاث ليال ثم دعاها فقال: كيف وجدت مبيتك؟ قالت: ما بت منذ كنت عنده أقر ليعين منهن. فقال عمر لزوجها: اخلعها ولو بقرطها أي حتى قرطها. ولهذا قال قتادة يعني بمالها كله. وقيل: هو من قولهم «خذه ولو بقرطي مارية» وذلك فيهما درّتان قيمتهما أربعون ألف دينار. ويصح الخلع في حالتي الشقاق والوفاق عند أكثر المجتهدين لقوله تعالى فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً [النساء: ٤] فإذا جاز لها أن تهب مهرها من غير أن يحصل لنفسها شيئا بإزاء ما بذلت، كان ذلك في الخلع الذي تصير بسببه مالكة لنفسها أولى.

وذهب الزهري والنخعي وداود إلى أنه لا يباح الخلع إلا عند الغضب والخوف من أن لا يقيما حدود الله كما في الآية، وإن وقع الخلع في غير هذه الحالة فالخلع فاسد.

والجمهور على أنه لا كراهة في الخلع إن جرى في حال الشقاق، أو كانت تكره صحبته لسوء خلقه أو دينه كما في الآية، أو وقع وتحرجت عن الإخلال ببعض حقوقه لما بها من الكراهة فافتدت ليطلقها، أو ضربها الزوج تأديبا فافتدت، أو منعها حقها من النفقة وغيرها فافتدت لتتخلص منه وإن كان الزوج يكره صحبتها فأساء العشرة ومنعها بعض حقها حتى ضجرت وافتدت، فالخلع مكروه وإن كان نافذا والزوج مأثوم بما فعل. فالخلع المباح هو أن تكون المرأة بحيث تخاف الفتنة على نفسها والزوج يخاف أنها إذا لم تطعه اعتدى عليها. ويجوز أن يكون الخوف بمعنى الظن كما سبق في قوله فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً [البقرة: ١٨٢] ومن قرأ إِلَّا أَنْ يَخافا على البناء للمفعول جعل أَلَّا يُقِيما بدلا من ألف الضمير بدل الاشتمال مثل «خيف زيد تركه إقامة حدود الله» ثم الفرقة الحاصلة على العوض إن كان بلفظ الطلاق فهو طلاق، وإن لم يجر إلا لفظ الخلع فللشافعي فيه قولان:

الجديد أنه طلاق ينتقص به العدد وإذا خالعها ثلاث مرات لم ينكحها إلا بمحلل، ويروى هذا عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم

وبه قال أبو حنيفة ومالك واختاره المزني ووجه بأنها فرقة لا يملكها غير الزوج فيكون طلاقا كما لو قال: أنت طالق على كذا. ولأنه لو كان فسخا لما صح بالزيادة على المهر المسمى كالإقالة في البيع. وإذا خالعها ولم يذكر المهر وجب أن يرد عليها المهر كالإقالة فإن الثمن يجب رده وإن لم يذكراه. والقديم أنه فسخ لا ينتقص به العدد ويجوز تحديد النكاح بعد الخلع من غير حصر. ويروى هذا عن ابن عمر وابن عباس قالوا: لأنه لو كان طلاقا

<<  <  ج: ص:  >  >>