للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأن يكون بالمعروف وهو أن يكونوا حينئذ مستبشري الوجوه ناطقين بالقول الجميل مطيبين لأنفس المراضع بما أمكن قطعا لمعاذيرهن. ثم أكد الجميع بأن ختم الآية بنوع من التحذير فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.

الحكم الثالث عشر: عدة الوفاة وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ ومعناه يموتون ويقبضون قال: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها [الزمر: ٤٢] وأصل التوفي أخذ الشيء كاملا وافيا. ويبنى للمفعول ومعناه ما قلنا، وللفاعل ومعناه استوفى أجله ورزقه وعليه

قراءة علي رضي الله عنه يُتَوَفَّوْنَ بفتح الياء.

والذي يحكى أن أبا الأسود الدؤلي كان يمشي خلف جنازة فقال له رجل: من المتوفي- بكسر الفاء-؟ فقال: الله. وكان أحد الأسباب الباعثة لعليّ رضي الله عنه على أن أمره بأن يضع كتابا في النحو. فلعل السبب فيه أن ذلك الشخص لم يكن بليغا وهذا المعنى من مستعملات البلغاء فلهذا لم يعتد بقوله، وحمله على متعارف الأوساط وَيَذَرُونَ يتركون ولا يستعمل منه الماضي والمصدر استغناء عنهما بتصاريف ترك. والأزواج هاهنا النساء يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مثل قوله يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة: ٢٢٨] وقد مر. وَعَشْراً أي يعتددن هذه المدة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام. وإنما قيل: عَشْراً ذهابا إلى الليالي والأيام داخلة معها. قال في الكشاف:

ولا نراهم قط يستعملون التذكير فيه ذاهبين إلى الأيام. وقيل في سبب التغليب: إن مبدأ الشهر من الليل، والأوائل أقوى من الثواني. وأيضا هذه الأيام أيام الحزن، وأيام المكروه خليقة أن تسمى ليالي استعارة، أو المراد عشر مدد كل منها يوم بليلته. وذهب الأوزاعي والأصم إلى ظاهر الآية وأنها إذا انقضت لها أربعة أشهر وعشر ليال حلت للأزواج نقل عن الحسن وأبي العالية أنه تعالى إنما حد العدة بهذا القدر لأن الولد ينفخ فيه الروح في العشر بعد الأربعة. قلت: ولعل هذا من الأمور التي لا يعقل معناها كأعداد الركعات ونصب الزكوات، وإنما الله ورسوله أعلم بذلك. وهذه العدة واجبة على كل امرأة مات زوجها إلا إذا كانت أمة فإن عدتها نصف عدة الحرة عند أكثر الفقهاء. وعن الأصم أن عدتها عدة الحرائر تمسكا بظاهر عموم الآية، وقياسا على وضع الحمل وإلا إذا كانت المرأة حاملا فإنها إذا وضعت الحمل حلت وإن كان بعد وفاة الزوج بساعة لقوله تعالى وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق: ٤] .

ولو زعم قائل أن ذلك في الطلاق فليعول على قصة سبيعة الأسلمية، ولدت بعد وفاة زوجها بنصف شهر

فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: حللت فانكحي من شئت.

وعن علي رضي الله عنه أنها تتربص أبعد الأجلين.

ولا فرق في عدة الوفاة بين الصغيرة والكبيرة وذات الأقراء وغيرها والمدخول بها وغيرها. وقال ابن عباس: لا عدة عليها قبل الدخول. ورد بعموم

<<  <  ج: ص:  >  >>