الخصمين وكان منفردا بنفسه عنهما. وقد أقسم الله تعالى بها في قوله وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ [الفجر: ١، ٢] وأيضا قال تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً [الإسراء: ٢٨] واتفقوا على أن المراد منه صلاة الفجر فخصها في تلك الآية بالذكر للتأكيد وخص الصلاة الوسطى في هذه الآية بالذكر للتأكيد، فيغلب على الظن أنهما واحد. وأيضا قرن هذه الصلاة بذكر القنوت في قوله وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ وليس في المفروضة صلاة صبح فيها القنوت إلا الصبح. وأيضا لا شك أنه تعالى أفردها بالذكر لأجل التأكيد والصبح أحوج الصلوات إلى ذلك، ففيه ترك النوم اللذيذ واستعمال الماء البارد والخروج إلى المسجد في الوقت الموحش. وأيضا الإفراد بالذكر ينبىء عن الفضل، ولا ريب في فضيلة صلاة الصبح ولهذا جاء وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ [آل عمران: ١٧]
وروي أن التكبيرة الأولى منها في الجماعة خير من الدنيا وما فيها.
وخصت بالأذان مرتين: أولاهما قبل الوقت إيقاظا للناس حتى لا تفوتهم البتة، وخص أذانها بالتثويب وهو أن يقول بعد الحيعلتين: الصلاة خير من النوم. وإن الإنسان إذا قام من منامه فكأنه صار موجودا بعد العدم، وعند ذلك يزول عن الخلائق ظلمة الليل وظلمة النوم والغفلة وظلمة الفجر والحيرة، ويملأ العالم نورا والأبدان حياة وعقلا وقوة وفهما. فهذا الوقت أليق الأوقات بأن يشتغل العبد بأداء العبودية وإظهار الخضوع والاستكانة لفاطر السموات والأرض وجاعل الظلمات والنور.
وعن علي عليه السلام أنه سئل عن الصلاة الوسطى فقال: كنا نرى أنها الفجر.
وعن ابن عباس أنه صلى الصبح ثم قال: هذه هي الصلاة الوسطى. القول الرابع: أنها صلاة الظهر ويروى عن عمر وزيد وأبي سعيد الخدري وأسامة بن زيد وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، لأن الظهر كان شاقا عليهم لوقوعه في وقت القيلولة وشدة الحر فصرف المبالغة إليه أولى.
وعن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالهاجرة وكانت أثقل الصلوات على أصحابه، وربما لم يكن وراءه إلا الصف والصفان فقال صلى الله عليه وسلم:«لقد هممت أن أحرق على قوم لا يشهدون الصلاة بيوتهم»«١» فنزلت هذه الآية.
وأيضا ليس في المكتوبات صلاة وقعت وسط الليل والنهار إلا هذه، وإنها صلاة بين صلاتين نهاريتين: الفجر والعصر وأنها صلاة بين البردين: برد الغداة وبرد العشي، وإن أول إمامة جبرائيل كان في صلاة الظهر كما ورد في الأحاديث الصحاح، وإن صلاة
(١) رواه البخاري في كتاب الأذان باب ٢٩، ٣٤. مسلم في كتاب المساجد حديث ٢٥١- ٢٥٤. أبو داود في كتاب الصلاة باب ٤٦. الترمذي في كتاب الصلاة باب ٤٨. النسائي في كتاب الإمامة باب ٤٩. ابن ماجه في كتاب المساجد باب ١٧. الدارمي في كتاب الصلاة باب ٥٤.