للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون داخلا تحت النهي. ذكر في اللفظ الثاني ما يزيل هذا الإبهام فقال: وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ استثناء من قوله فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي ليصح النظم وإنما فصل قوله وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ بين المستثنى والمستثنى منه للعناية. ومعنى الاستثناء الرخصة في اغتراف الغرفة باليد دون الكروع. والغرفة بالفتح بمعنى المصدر، وبالضم بمعنى المغروف ملء الكف. عن ابن عباس: كانت الغرفة يشرب منها هو ودوابه وخدمه، ويحتمل منها. ولعل ذلك من معجزات نبي ذلك الزمان كما

يروى عن نبينا صلى الله عليه وسلم من إرواء الخلق العظيم من الماء القليل،

ويحتمل أنه كان مأذونا أن يأخذ من الماء ما شاء مرة واحدة بقربة أو جرة بحيث كان المأخوذ في المرة الواحدة يكفيه ولدوابه ولخدمه ولأن يحمله مع نفسه إلا أن قوله بِيَدِهِ لا يجاوب هذا الاحتمال فَشَرِبُوا مِنْهُ كرعوا فيه إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وقرأ أبي والأعمش إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وهذا من باب الميل إلى المعنى والإعراض عن اللفظ جانبا كأنه قيل: فلم يطيعوه إلا قليل منهم. فبهذا تميز الموافق عن المنافق والصديق عن الزنديق.

يروى أن أصحاب طالوت لما هجموا على النهر بعد عطش شديد وقع أكثرهم في النهر وأكثروا الشرب فاسودت شفاههم وغلبهم العطش وبقوا على شط النهر وجبنوا عن لقاء العدو، وأطاع قوم قليل منهم أمر الله تعالى فلم يزيدوا على الاغتراف فقوي قلبهم وصح أيمانهم وعبروا النهر سالمين.

والمشهور أنهم كانوا على عدد أهل بدر لما

روي أن النبي قال لأصحابه يوم بدر: أنتم اليوم على عدد أصحاب طالوت حين عبروا النهر وما جاز معه إلا مؤمن.

قال البراء بن عازب: وكنا يومئذ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا. وقيل: إنهم كانوا أربعة آلاف. ولا خلاف بين المفسرين أن الذين عصوا الله وشربوا من النهر رجعوا إلى بلدهم ولم يتوجه معه إلى لقاء العدو إلا من أطاعه، وإنما الخلاف في أنهم رجعوا قبل عبور النهر أو بعده، والحق أنه ما عبر معه إلا المطيعون لقوله تعالى فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ولقوله: فَلَيْسَ مِنِّي أي ليس من أصحابي في سفري، ولأن المقصود من الابتلاء أن يتميز المطيع عن العاصي، وإذا تميزا فالظاهر أنه لم يأذن للعاصين، وصرفهم عن نفسه قبل أن يرتدوا عند لقاء العدو، وقيل:

إنه استصحب كل جنوده لأنهم قالوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده. ومعلوم أن هذا الكلام لا يليق بالمؤمن المنقاد لأمر ربه، بل لا يصدر إلا عن المنافق أو الفاسق.

والجواب لعل طالوت والمؤمنين لما جاوزوا النهر ورأوا القوم تخلفوا وما جاوزوه، سألوهم عن سبب التخلف فذكروا ذلك، وما كان النهر في العظم بحيث يمنع المكالمة، أو المراد بالمجاوزة قرب حصول المجاوزة، أو المؤمنون الذين عبروا النهر كانوا فريقين: منهم من

<<  <  ج: ص:  >  >>