عام من غير علف ولا ماء كما حفظ طعامه وشرابه من التغير، وأما فائدة الواو في قوله وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ فقد قال الفراء: فإنما دخلت لنية فعل بعدها مضمر، لأنه لو قال وانظر إلى حمارك لنجعلك آية، كان النظر إلى الحمار شرطا وجعله آية جزاء، وهذا المعنى غير مطلوب من هذا الكلام. بل المعنى: ولنجعلك آية فعلنا ما فعلنا من الإماتة والإحياء.
ومثله في القرآن كثير وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [الأنعام: ١٠٥] وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [الأنعام: ٧٥] وانظر إلى العظام كيف ننشرها بالراء المهملة أي كيف نحييها. وقرىء كيف ننشرها من نشر الله الموتى بمعنى أنشرهم. ويحتمل أن يكون من النشر ضد الطي فإن الحياة تكون بالانبساط. وقد وصف الله العظام بالإحياء في قوله مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ [يس: ٧٩] ومن قرأ بالزاء فمعناه نحركها ونرفع بعضها إلى بعض للتركيب. والنشز ما ارتفع من الأرض ومنه نشوز المرأة لأنها ترتفع عن حد رضا الزوج.
«وكيف» في موضع الحال من العظام والعامل فيه «ننشرها» لا «انظر» لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله. ثم أكثر المفسرين على أن المراد بالعظام عظام حماره، وأن اللام فيه بدل من الكناية. وعن قتادة والربيع وابن زيد: أن العظام عظام هذا الرجل نفسه. قالوا: إنه تعالى أحيا رأسه وعينيه وكانت بقية بدنه عظاما نخرة وكان ينظر إلى أجزاء عظام نفسه فرآها تجتمع وينضم البعض إلى البعض وكان يرى حماره واقفا كما ربطه، وزيف بأن قوله لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ إنما يليق بمن لا يرى في نفسه أثر التغير لا بمن شاهد أجزاء بدنه متفرقة وعظامه رميمة. وأيضا قوله ثُمَّ بَعَثَهُ يدل على أن المبعوث هو تلك الجملة التي أماتها، وقيل:
هي عظام الموتى الذين تعجب من إحيائهم، وفاعل تبين مضمر تقديره فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أن الله على كل شيء قدير قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فخذف الأول لدلالة الثاني عليه كما في قوله «ضربني وضربت زيدا» أو التقدير: فلما تبين له ما أشكل عليه من أمر الإماتة والإحياء قال أعلم. وتأويله إني قد علمت مشاهدة ما كنت أعلمه قبل ذلك استدلالا. ومن قرأ أَعْلَمُ على لفظ الأمر فمعناه أنه عند التبين أمر نفسه بذلك، والله تعالى أمره بذلك كما في آخر قصة إبراهيم وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ قال القاضي:
القراءة الأولى أولى لأن الأمر بالشيء إنما يحسن عند عدم المأمور به، وهاهنا العلم حاصل بدليل قوله فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ فلا يحسن الأمر بتحصيل العلم بعد ذلك. أما الإخبار عن أنه حصل فجائز. قلت: ليس هذا من باب الأمر بتحصيل الحاصل، وإنما الأمر فيه عائد إلى شيء آخر غير حاصل وهو عدم التعجب من إيجاد سائر الممكنات البعيدة، فإن من قدر