على إيجاد أمر مستبعد الحصول كان قادرا على نظائره من الغرائب والعجائب لا محالة، ولهذا أوردت القضية كلية. نعم لو قيل: اعلم أن الله قادر على إحياء الموتى لأشبه أن يكون أمرا بتحصيل الحاصل، على أن ذلك أيضا ممنوع فإن الأمر حينئذ يعود إلى شيء آخر غير حاصل هو عدم الشك فيما يستأنف من الزمان أي لتكن هذه الآية على ذكر منك كيلا يعترض لك شك فيما بعد، وذلك كقولك للمتحرك «تحرك» أي واظب على الحركة ولا تفتر. وليت شعري كيف يطعن بعض العلماء في بعض القراآت السبع مع ثبوت التواتر وكونها كلها كلام الحكيم العليم تقدس وتعالى؟
القصة الثالثة قوله عم طوله وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ التقدير: واذكر وقت قول إبراهيم.
وقيل: معطوف على قوله إِلَى الَّذِي أي ألم تر إلى وقت قول إبراهيم. وهاهنا دقيقة وهي أنه لم يسم عزيرا في قصته بل قال أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وهاهنا سمى إبراهيم لأن عزيرا لم يحفظ الأدب بل قال ابتداء أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها وإبراهيم أثنى على الله أولا بقوله رَبِّ أَرِنِي وأيضا إن عزيرا استبعد الإحياء فأرى ذلك في نفسه، وإبراهيم التمس ودعا بقول أَرِنِي فأرى ذلك في غيره. ومعنى أرني بصرني. وذكروا في سبب سؤال إبراهيم وجوها. الأول قال الحسن والضحاك وقتادة وعطاء وابن جريج: إنه رأى جيفة مطروحة على شط النهر، فإذا مد البحر أكل منها دواب البحر، وإذا جزر البحر جاءت السباع فأكلت، فإذا أكل السباع جاءت الطيور فأكلت وطارت، فقال إبراهيم: رب أرني كيف تجمع أجزاء هذا الحيوان من بطون السباع والطيور ودواب البحر. فقيل: أو لم تؤمن؟ قال: بلى. ولكن المطلوب بالسؤال أن يصير العلم الاستدلالي ضروريا. الثاني:
قال محمد بن إسحق والقاضي: إنه في مناظرته مع نمرود لما قال ربي الذي يحيي ويميت قال الكافر أنا أحيي وأميت فأطلق محبوسا وقتل آخر فقال إبراهيم: ليس هذا بإحياء وإماتة وعند ذلك قال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى لتنكشف هذه المسألة عند نمرود وأتباعه، ويزول الإنكار عن قلوبهم.
وروي أن نمرود قال له: قل لربك يحيي وإلا قتلتك، فسأل الله ذلك،
وقوله لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي أي بنجاتي من القتل، أو ليطمئن قلبي بقوة حجتي وبرهاني، وأن عدو لي إلى غيرها كان بسبب جهل المستمع. الثالث: عن ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي أن الله تعالى أوحى إليه أني أتخذ بشرا خليلا، فاستعظم ذلك إبراهيم عليه السلام وقال: إلهي، ما علامة ذلك؟ فقال: علامته أنه يحيي الميت بدعائه فلما عظم مقام إبراهيم عليه السلام في درجات العبودية وأداء الرسالة خطر بباله أني لعلي أكون ذلك الخليل.
فسأل الله إحياء الموتى فقال الله: أو لم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي على أني خليل