للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأجل إلف وعادة، فبيّن تعالى أن هذا القدر من الندامة لا يلحق أهل الثواب والكرامة. وقال الأصم: لا خوف عليهم من عذاب يومئذ ولا هم يحزنون بسبب أنهم فاتهم النعيم الزائد الذي حصل لغيرهم من السعداء لأنه لا منافسة في الآخرة. وأيضا إنهم لا يحزنون بسبب إنه لم يصدر منا طاعة أزيد مما صدر حتى صرنا بها مستحقين بثواب أزيد مما وجدناه لأن هذه الخواطر لا توجد في الجنة. وهاهنا سؤال وهو أن المرأة إذا بلغت عارفة بالله، ولما بلغت حاضت. وعند انقطاع حيضها ماتت. أو الرجل بلغ عارفا بالله، وقبل أن تجب عليه الصلاة والزكاة مات. فهما بالاتفاق من أهل الثواب مع خلوهما عن الأعمال، فكيف وقف الله هاهنا حصول الأجر على حصول الأعمال؟ والجواب أن الموجبة الكلية لا تنعكس كنفسها، وقد دلت الآية على أن كل مؤمن عمل صالحا فله الأجر فلا يلزم العكس الكلي ثم إنه تعالى لما بيّن أن من انتهى عن الربا فله ما سلف كان يجوز أن يظن أنه لا فرق بين المقبوض منه وبين الباقي في ذمة القوم فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا فبين أنه يحرم أخذ ما بقي من الربا في ذمتهم. فإن قيل: كيف قال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ثم قال في آخره إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ؟ فالجواب أن هذا كما يقال: إن كنت أخي فأكرمني. معناه أن من كان أخا أكرم أخاه. ومعناه إذ كنتم مؤمنين أو إن كنتم تريدون استدامة الحكم لكم بالإيمان، أو يا أيها الذين آمنوا بلسانكم ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين بقلوبكم. قال القاضي:

وفيه دلالة على أن الإيمان لا يتكامل إذا أصر الإنسان على كبيرة، وإنما يصير مؤمنا بالإطلاق متى تجنب كل الكبائر. وأجيب بأن المراد إن كنتم عاملين بمقتضى الإيمان. وهذا بناء على أن العمل الصالح غير داخل في مسمى الإيمان، وإنما شدد الله في ذلك لأن المنتظر لحلول الأجل إذا حضر الوقت وطن نفسه على أن تلك الزيادة قد حصلت له ففطامه عنها يكون شديدا عليه فقال اتَّقُوا اللَّهَ واتقاؤه إنما يكون باتقاء ما نهى عنه. وهذه الآية أصل كبير في أحكام الكفار. إذا أسلموا، فإن ما مضى في الكفر يبقى ولا ينقض ولا ينسخ، وما لم يوجد منه في حال الكفر فحكمه محمول على الإسلام، فإذا تناكحوا على ما يجوز عندهم ولا يجوز في الإسلام فهو عفو لا يتعقب وإن كان النكاح وقع على مهر حرام فقبضته المرأة فقد مضى، وإن كانت لم تقبضه فلها مهر مثلها دون ما سمى وهذا مذهب الشافعي. وأما سبب نزول الآية

فعن ابن عباس: بلغنا- والله أعلم- أنها نزلت في بني عمرو بن عمير من ثقيف وفي بني المغيرة بني مخزوم. كانت بنو المغيرة يربون لثقيف، فلما أظهر الله رسوله على مكة وضع يومئذ الربا كله فأتى بنو عمرو بن عمير وبنو المغيرة إلى عتاب بن أسيد وهو على مكة فقال بنو المغيرة: ما جعلنا أشقى الناس بالربا أوضع عن

<<  <  ج: ص:  >  >>