للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس غيرنا. فقال بنو عمر: وصولحنا على أن لنا ربنا. فكتب عتاب في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية

والتي بعدها فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فعرف بنو عمرو أن لا يدان لهم بحرب من الله ورسوله.

وقال عطاء وعكرمة: نزلت في العباس بن عبد المطلب وعثمان بن عفان وكانا قد أسلفا في التمر، فلما حضر الجداد قال لهما صاحب التمر: لا يبقى لي ما يكفي عيالي إن أنتما أخذتما حقكما كله. فهل لكما أن تأخذا النصف وتؤخرا النصف وأضعف لكما؟ ففعلا. فلما جاء الأجل طلبا الزيادة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهما ونزلت الآية فسمعا وأطاعا وأخذ رؤوس أموالهما.

وقال السدي: نزلت في العباس وخالد بن الوليد وكانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا، فأنزل الله تعالى هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب» «١»

فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا قيل: خطاب مع الكفار المستحلين للربا. ومعنى قوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ معترفين بتحريم الربا فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا أي فإن لم تكونوا معترفين بتحريمه فَأْذَنُوا ومن ذهب إلى هذا القول قال: فيه دليل على أن من كفر بشريعة واحدة من شرائع الإسلام فهو خارج عن الملة كما لو كفر بجميع شرائعه، وعلى هذا يكون مالهم فيئا للمسلمين. وقيل: خطاب مع المؤمنين المصرين على معاملة الربا لأنه خطاب مع قوم تقدم ذكرهم وما هم إلا المخاطبون بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ومعنى قوله: فَأْذَنُوا عند من جعله من الإيذان أعلموا من لم ينته عن الربا بحرب من الله، فالمفعول محذوف. وإذا أمروا بإعلام غيرهم فهم أيضا قد علموا ذلك، لكن ليس في علمهم دلالة علي إعلام غيرهم. فهذه القراءة في الإبلاغ آكد ممن قرأ فَأْذَنُوا من أذن بالشيء إذا أعلم به أي كونوا على إذن وعلم. فإن قيل: كيف أمر بالمحاربة مع المسلمين؟ قلنا: هذه اللفظة قد تطلق على من عصى الله غير مستحل كما

جاء في الخبر «من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة» «٢»

وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم «من لم يدع المخابرة فليأذن بحرب من الله ورسوله» «٣»

وقد جعل كثير من المفسرين والفقهاء قوله إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المائدة: ٣٣] أصلا في قطاع الطريق من المسلمين.


(١) رواه مسلم في كتاب الحج حديث ١٤٧. الترمذي في كتاب تفسير سورة ٩ باب ٢. أبو داود في كتاب البيوع باب ٥. ابن ماجه في كتاب المناسك باب ٧٦، ٨٤. الدارمي في كتاب البيوع باب ٣.
الموطأ في كتاب البيوع حديث ٨٣.
(٢) رواه ابن ماجه في كتاب الفتن باب ١٦. بلفظ «من عادى ... » .
(٣) رواه أبو داود في كتاب البيوع باب ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>