نزلت بمكة مرة وبالمدينة أخرى، وعلى هذا فإنها لم تثبت في المصحف مرتين لأنه لم يقع التواتر على نزولها مرتين.
ومن فضائل هذه السورة أنه لم يوجد فيها الثاء وهو الثبور لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً [الفرقان: ١٤] والجيم وهو جهنم وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر: ٤٣] والخاء وهو الخزي يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ [التحريم: ٨] والزاء وهو الزفير والزقوم. والشين وهو الشهيق لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ [هود: ١٠٦] والظاء وهو لظى كَلَّا إِنَّها لَظى [المعارج: ١٥] والفاء وهو الفراق وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ [الروم: ١٤] فلما أسقط الله تعالى من الفاتحة هذه الحروف الدالة على العذاب وهي بعدد أبواب جهنم لقوله تعالى: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [الحجر: ٤٤] غلب على الظن أن من قرأ الفاتحة نجا من جهنم ودخول أبوابها وتخلص من دركات النار وعذابها.
الثانية: في المباحث اللفظية.
الحمد مبتدأ والله خبره أي الحمد ثابت لله. وأصله النصب الذي هو قراءة بعضهم بإضمار فعله كقولهم شكرا وعجبا وسبحانك ومعاذ الله، فعدل إلى الرفع للدلالة على ثبات المعنى واستقراره نحو قوله تعالى فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ [الذاريات: ٢٥] ولهذا كان تحية إبراهيم عليه السلام أحسن من تحيتهم كما جاء وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها.
[النساء: ٨٦] ومما يدل على أن أصله النصب أن قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ بيان لحمدهم فكأنه قيل: كيف يحمدون؟ فقيل: إياك نعبد. والأصل توافق الجملتين. واللام في «الحمد» لتعريف الجنس ومعناه الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد من أن الحمد ما هو.
والاستغراق وهم لأنه لو سلم كونه اللام للاستغراق فحمد أبويه مثلا لا يدخل فيه. وأيضا نحو نحمد الله لا يفهم منه إلا حقيقة الحمد من حيث هي فكذا ما ناب منابه وهو الحمد لله.
وقرأ بعضهم بكسر الدال اتباعا، وبعضهم بضم اللام.
الرب المالك، ربه يربه فهو رب، أو مصدر وصف به للمبالغة كالعدل. وهو مطلقا مختص بالله تعالى، ومضافا يجوز إطلاقه على غيره نحو: رب الدار ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ [يوسف: ٥٠] وقرىء بالنصب على المدح أو بتقدير نحمد. والعالم اسم موضوع للجمع كالأنام والرهط، وهو ما يعقل من الملائكة والثقلين قاله ابن عباس والأكثرون. وقيل: كل ما علم به الخالق من الجواهر والأعراض كقوله تعالى قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ قالَ