عمران: ٥٩] ثم فسر المثل بقوله: خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ [آل عمران: ٥٩] وهذا أحسن ليوافق قراءة الفتح. والمعنى أقدّر لكم شيئا مثل صورة الطير من هيئات الشيء أصلحته. فَأَنْفُخُ فِيهِ أي في ذلك الطير المصور أو الشيء المماثل لهيئة الطير فَيَكُونُ طَيْراً وهو اسم الجنس يقع على الواحد وعلى الجمع. يروى أنه خلق أنواعا من الطير. وقيل: لم يخلق غير الخفاش وعليه قراءة من قرأ طائرا وذلك أنه لما ادعى النبوة وأظهر المعجزات أخذوا يتفننون عليه وطالبوه بخلق خفاش، فأخذ طينا وصوّره ثم نفخ فيه فإذا هو يطير بين السماء والأرض. قال وهب: كان يطير ما دام الناس ينظرون إليه فإذا غاب عن عيونهم سقط ميتا بإذن الله. وبتكوينه وتخليقه قال بعض المتكلمين: دلت الآية على أن الروح جسم رقيق كالريح ولذلك وصفها بالنفح. وهاهنا بحث وهو أنه هل يجوز أن يقال إنه تعالى أودع في نفس عيسى خاصية بحيث إنه متى نفخ في شيء كان نفخه موجبا لصيرورة ذلك الشيء حيا، وذلك أنه تولد من نفخ جبريل في مريم روح محض، فكانت نفخة عيسى سببا لحصول الأرواح في الأجساد؟ أو يقال: ليس الأمر كذلك بل الله تعالى كان يخلق الحياة في ذلك الجسم بقدرته عند نفخ عيسى عليه السلام فيه على سبيل إظهار المعجزات؟ وهذا هو الحق لقوله تعالى الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ [الملك: ٢] ولقوله حكاية عن إبراهيم في المناظرة رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [البقرة: ٢٥٨] فلو حصل لغيره هذه الصفة بطل ذلك الاستدلال وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ ذهب أكثر أهل اللغة إلى أن الأكمه هو الذي يولد أعمى. وقيل: هو الممسوح العين. ويقال: لم يكن في هذه الأمة أكمه غير قتادة بن دعامة السدوسي صاحب التفسير. وقيل: الأكمه من عمي بعد أن كان بصيرا، رواه الخليل. وعن مجاهد أنه الذي لا يبصر بالليل. وأما البرص فإنه بياض يظهر في ظاهر البدن، وقد لا يعم البدن. وسببه سوء مزاج العضو إلى البرودة وغلبة البلغم على الدم الذي يغذوه، فتضعف القوة المغيرة عن تمام التشبيه. وقد يغلب البرد والرطوبة حتى يصير لحمه كلحم الأصداف فيحيل الدم الصائر إليه إلى مزاجه ولونه. وإن كان ذلك الدم جيدا في جوهره نقيا من البلغم حارا هو داء عياء عسر البرء لا يكاد يبرأ- وخاصة المزمن- منه. والآخذ في الازدياد والذي يرجى برؤه من البرص ما إذا دلك احمرّ بالدلك ويكون معه خشونة ما. والشعر الذي ينبت عليه لا يكون شديد البياض، وإذا أخذ جلده بالإبهام والسبابة وأشيل عن اللحم وغرزت فيه الإبرة خرج منه دم أو رطوبة مورّدة، ولا شك إن إبراءه مثل هذه المرض من قبيل الإعجاز.
يروى: ربما اجتمع عليه خمسون ألفا من المرضى من أطاق منهم أتاه ومن لم يطق أتا عيسى وما كانت مداواته إلا بالدعاء وحده وَأُحْيِ الْمَوْتى أحيا عاذرا وكان صديقا له، ودعا