للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نصرة رسولك، أو اكتب ذكرنا في زمرة من شهد حضرتك من الملائكة المقربين كقوله:

كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين: ١٨] وَمَكَرُوا يعني كفار بني إسرائيل الذين أحس عيسى منهم الكفر وَمَكَرَ اللَّهُ المكر في اللغة السعي في خفية ومداجاة. قال الزجاج: يقال مكر الليل وأمكر إذا أظلم. وقيل: أصله من إجماع الأمر وإحكامه، ومنه امرأة ممكورة مجتمعة الخلق. فلما كان المكرر رأيا محكما قويا مصونا عن جهات النقض والفتور لا جرم سمي مكرا. أما مكرهم بعيسى عليه السلام فهو أنهم هموا بقتله، وأما مكر الله بهم فهو أن رفعه إلى السماء وما مكنهم من إيصال السوء إليه.

روي أن ملك اليهود أراد قتل عيسى عليه السلام وكان جبريل لا يفارقه ساعة، فأمره جبريل أن يدخل بيتا فيه روزنة.

فلما دخلوا البيت أخرجه جبريل من تلك الروزنة وكان قد ألقى شبهه على غيره ممن وكل به ليقتله غيلة فأخذ وصلب فتفرق الحاضرون ثلاث فرق: فرقة قالت: كان الله فينا فذهب.

وأخرى قالت: كان ابن الله. وأخرى قالت: كان عبد الله ورسوله.

وقيل: إن الحواريين كانوا اثني عشر، وكانوا مجتمعين في بيت، فنافق واحد منهم ودل اليهود عليه فألقى الله شبهه عليه ورفع عيسى عليه السلام. وذكر محمد بن إسحق أن اليهود عذبوا الحواريين بعد أن رفع عيسى فشمسوهم ولقوا منهم الجهد. فسمع بذلك ملك الروم. وكان ملك اليهود من رعيته فقيل: إنه قتل رجلا من بني إسرائيل ممن يحب أمرك، وكان يخبرهم أنه رسول الله وأراهم إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وفعل ما فعل فقال: لو علمت ذلك ما خليت بينه وبينهم. ثم بعث إلى الحواريين فانتزعهم من أيديهم وسألهم عن عيسى عليه السلام فأخبروه، فتابعهم على دينهم وأنزل المصلوب فغيبه وأخذ الخشبة فأكرمها وصانها، ثم غزا بني إسرائيل وقتل منهم خلقا عظيما ومنه ظهر أصل النصرانية في الروم. وكان اسم هذا الملك «طباريس» ، وهو صار نصرانيا إلا أنه ما أظهر ذلك. ثم إنه جاء بعده ملك آخر يقال له «ملطيس» وغزا بيت المقدس حجرا على حجر، فخرج عند ذلك قريظة والنضير إلى الحجاز، فهذا كله مما جازاهم الله تعالى على تكذيب المسيح والهم بقتله. وقيل: إنهم مكروا في إخفاء أمره وإبطال دينه، ومكر الله بهم حيث أعلى دينه وأظهر شريعته وقهر بالذل أعداءه وهم اليهود وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ أقواهم مكرا وأقدرهم على العقاب من حيث لا يشعر المعاقب.

واعلم أن المكر إن كان عبارة عن الاحتيال في إيصال الشر فهو في حق الله تعالى محال، فاللفظ إذن من المتشابهات فيجب أن يؤول بأن جزاء المكر يسمى مكرا كقوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>