للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى: ٤٠] أو بأنه تعالى عاملهم معاملة من يمكر وهو عذابهم على سبيل الاستدراج. وإن كان المكر عبارة عن التدبير المحكم الكامل لم يكن اللفظ متشابها لأنه غير ممتنع في حق الله إلا أنه قد اختص في العرف بالتدبير في إيصال الشر إلى الغير. إِذْ قالَ اللَّهُ ظرف لخير الماكرين أو لمكر الله أو مفعول اذكر يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ أي متمم عمرك وعاصمك من أن يقتلك الكفار الآن بل أرفعك إلى سمائي وأصونك من أن يتمكنوا من قتلك. وقيل: متوفيك أي مميتك كيلا يصل أعداؤك من اليهود إلى قتلك ثم رافعك إليّ. وهذا القول مروي عن ابن عباس ومحمد بن إسحق. ثم قال وهب: توفي ثلاث ساعات ثم رفع وأحيي. وقال محمد بن إسحق. توفي سبع ساعات ثم أحياه الله ورفعه. وقال الربيع بن أنس: إنه نومه ورفعه إلى السماء نائما حتى لا يلحقه خوف ورعب. أخذه من قوله اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها [الزمر:

٤٢] . وقيل: التوفي أخذ الشيء وافيا أي آخذك بروحك وبجسدك جميعا فرافعك إلي دفعا لوهم من يتوهم أنه أخذ بروحه دون جسده. وقيل: متوفيك قابضك من الأرض من توفيت مالي على فلان أي استوفيته. وقيل: أجعلك كالمتوفى لأنه إذا رفع إلى السماء انقطع خبره وأثره عن الأرض فيكون من باب إطلاق الشيء على ما يشابه في أكثر خواصه وصفاته.

وقيل: المضاف محذوف أي متوفى عملك ورافع طاعتك فكأنه بشره بقبول طاعته وأن ما وصل إليه من المتاعب في تمشية دينه وإظهار شريعته فهو لا يضيع أجره، فهذا كقوله:

إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر: ١٠] وقيل: في نسق الكلام تقديم وتأخير. فإن الواو لا تقتضي الترتيب. والمعنى إني رافعك إلي ومتوفيك بعد إنزالك إلى الدنيا. ويؤيده ما ورد في الخبر أنه سينزل ويقتل الدجال، ثم إنه تعالى يتوفاه بعد ذلك. أما قوله وَرافِعُكَ إِلَيَّ فالمشبهة تمسكوا بمثله في إثبات المكان لله تعالى وأنه في السماء، لكن الدلائل القاطعة دلت على أنه متعال عن الحيز والجهة فوجب حمل هذا الظاهر على التأويل بأن المراد إلى محل كرامتي ومقر ملائكتي ومثله قول إبراهيم: إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي [الصافات: ٩٩] وإنما ذهب من العراق إلى الشام، وقد سمي الحجاج زوّار الله، والمجاورون جيران الله. والمراد التفخيم والتعظيم، أو المراد إلى مكان لا يملك الحكم عليه هناك غير الله فإن في الأرض ملوكا مجازية. ولئن سلم أنه تعالى يمكن أن يكون في مكان فليس رفع عيسى عليه السلام إلى ذلك المكان سببا لبشارته ما لم يتيقن الثواب والكرامة والروح والراحة، فلا بد من صرف اللفظ عن ظاهره وهو أن يقال: المراد رفعه إلى محل كرامته، وإذا لم يكن بد من الإضمار فلم يبق في الآية دلالة على إثبات المكان له تعالى. ثم إنه كما عظم شأنه بلفظ الرفع إليه، عبر لذلك عن معنى التخليص بلفظ التطهير

<<  <  ج: ص:  >  >>