للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقرر شرائع التوراة، فأما من جاء بتغيير شيء من أحكام التوراة فلا تصدقوه وهذا هو مذهب اليهود إلى اليوم. واللام زائدة مثل رَدِفَ لَكُمْ [النمل: ٧٢] فإنه يقال: صدقت فلانا ولا يقال صدقت لفلان. فأمر الله نبيه أن يقول لهم في الجواب إن الدين دين الله، فكل ما رضيه دينا فهو الدين الذي يجب متابعته كقوله في جواب قولهم: ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ [البقرة

: ١٤٢] ثم وبخهم بالاستفهام المذكور. ويحتمل أن يكون المعنى: ولا تؤمنوا هذا الإيمان الظاهر وهو إيمانهم وجه النهار إلا لمن كانوا تابعين لدينكم ممن أسلموا منكم، لأن رجوعهم كان أرجى عندهم من رجوع من سواهم، ولأن إسلامهم كان أغيظ لهم. فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ وقد جئتكم به فلن ينفعكم هذا الكيد الضعيف. ثم استفهم فقال: ألأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم قلتم ذلك ودبرتم لا لشيء آخر؟ يعني أن ما بكم من الحسد والبغي أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من فضل العلم والكتاب دعاكم إلى أن قلتم ما قلتم؟ ثم قال: أَوْ يُحاجُّوكُمْ يعني دبرتم ما دبرتم لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، أو لما يتصل بالإيتاء عند كفركم به من محاجتهم لكم عند ربكم لأن ما أوتوا مثل ما أوتيتم، فحين لم تؤمنوا به ثبت لهم حجة عليكم. وأما إن لم تقدر همزة الاستفهام فالتقدير إما كما سبق. أو يقال: الْهُدى اسم «إن» وهُدَى اللَّهِ بدل منه. والتقدير: قل إن هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم. ويكون «أو» بمعنى «حتى» ويتم الكلام بمحذوف أي حتى يحاجوكم عند ربكم فيقضي لهم عليكم ويدحض حجتكم، أو يقال: أَنْ يُؤْتى مفعول فعل محذوف هو لا تنكروا لأنه لما كان الهدى هدى الله كان له أن يؤتيه من يشاء من عباده ومتى كان كذلك لزم ترك الإنكار فصح أن يقال: لا تنكروا أن يؤتى أحد سواكم من الهدى ما أوتيتموه أو يحاجوكم- يعني هؤلاء المسلمين- بذلك عند ربكم إن لم تقبلوا ذلك منهم. أو يقال الْهُدى اسم للبيان وهُدَى اللَّهِ بدل ويضمر لا بعد «إن» مثل أَنْ تَضِلُّوا [النساء: ١٧٦] أي لا تضلوا. والتقدير: قل يا محمد لأمتك إن بيان الله هو أن لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم وهو دين الإسلام الذي هو أفضل الأديان، وأن لا يحاجوكم- يعني هؤلاء اليهود- عند ربكم في الآخرة لأنه يظهر لهم في الآخرة أنكم مهتدون وأنهم ضالون. وأما الاحتمال الثاني وهو أن يكون قوله: أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ من تتمة كلام اليهود، وقوله: قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ جملة معترضة. فمعناه لا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لأهل دينكم دون غيرهم، أو لا تقروا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم. فحذف حرف الجر من «أن» على القياس. قال في الكشاف: أراد أسروا تصديقكم بأن المسلمين قد أوتوا من كتب الله مثل ما أوتيتم ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>