تفشوه إلا إلى أشياعكم وحدهم دون المسلمين لئلا يزيدهم ثباتا، ودون المشركين لئلا يدعوهم إلى الإسلام. وقوله: أَوْ يُحاجُّوكُمْ عطف على أَنْ يُؤْتى والضمير في يُحاجُّوكُمْ ل أَحَدٌ لأنه في معنى الجمع بمعنى ولا تؤمنوا لغير أتباعكم أن المسلمين يحاجونكم يوم القيامة بالحق ويغالبونكم عند الله بالحجة. قال: ومعنى الاعتراض، أن الهدى هدى الله، من شاء أن يلطف به حتى يسلم أو يزيد ثباته على الإسلام كان ذلك، ولم ينفع كيدكم وحيلكم وزيكم أي ستركم تصديقكم عن المسلمين والمشركين. وكذلك قوله:
قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ مؤكد للاعتراض الأول، أو هو اعتراض آخر يجيء بعد تمام الكلام كقوله: وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ [النمل: ٣٤] بعد قوله: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها [النمل: ٣٤] فإن قيل: إن جد القوم في حفظ أتباعهم عن قبول دين محمد صلى الله عليه وسلم كان أعظم من جدهم في حفظ غير أتباعهم عنه، فكيف يليق أن يوصي بعضهم بعضا بالإقرار؟ ربما يدل على صحة دين محمد صلى الله عليه وسلم عند أتباعهم وأن يمتنعوا من ذلك عند الأجانب. فالجواب:
ليس المراد من هذا النهي الأمر بإفشاء هذا التصديق فيما بين أتباعهم، بل المراد أنه ان اتفق منكم تكلم بهذا فلا يكن إلا عند خويصتكم وأصحاب أسراركم. على أنه يحتمل أن يكون شائعا ولكن البغي والحسد كان يحملهم على الكتمان من غيرهم. فإن قيل: كيف وقع قوله: قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ فيما بين جزأي كلام واحد؟ وهذا لا يليق بكلام الفصحاء؟
قلت: قال القفال: يحتمل أن يكون هذا كلاما أمر الله نبيه أن يقوله عند ما وصل الكلام إلى هذا الحد. كأنه لما حكى عنهم في هذا الموضع قولا باطلا لا جرم أدب رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يقابله بقول حق، ثم يعود إلى حكاية تمام كلامهم كما إذا حكى المسلم عن بعض الكفار قولا فيه كفر فيقول عند بلوغه إلى تلك الكلمة: آمنت بالله أو لا إله إلا الله، أو تعالى الله، ثم يعود إلى تلك الحكاية. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير والتقدير: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الهدى هدى الله وأن الفضل بيد. واعلم أنه تعالى حكى عن اليهود أمرين: أحدهما أن يؤمنوا وجه النهار ويكفروا آخره ليصير ذلك شبهة للمسلمين في صحة الإسلام فأجاب بقوله: قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ. وذلك أن مع كمال هداية الله وقوة بيانه لا يكون لهذه الشبهة الركيكة عين ولا أثر.
وثانيها أنهم استنكروا أن يؤتى أحد مثل ما أوتوا من الكتاب والحكمة والنبوة فأجاب عنه بقوله: قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ والمراد بالفضل الرسالة وهو في اللغة الزيادة، وأكثر ما يستعمل في زيادة الإحسان. والفاضل الزائد على غيره في خصال الخير.
ومعنى قوله بِيَدِ اللَّهِ أنه مالك له غالب عليه يوضحه قوله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ. وفيه دليل