للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعامة، والتقوى تتممها وتزينها حتى يأتي بها على وجه الكمال من غير شائبة الاختلال.

فكل متق موف بالعهد ولا يلزم العكس، فلهذا اقتصر على قوله: يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ دون أن يقول يحب الموفين أو الموفين والمتقين فافهم. ثم إنه سبحانه لما وصف اليهود بالخيانة في أموال الناس- والخيانة فيها لا تتمشى إلا بالأيمان الكاذبة غالبا- لا جرم أردفها بالوعيد عليها. وأيضا الخيانة في العهود وفي تعظيم أسماء الله تناسب الخيانة في الأموال، فلا جرم قال: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ الآية. واختلفت الروايات في سبب النزول فمنهم من خصها باليهود لأن الآيات السابقة فيهم وكذا اللاحقة، ومنهم من خصها بغيرهم والروايات هذه.

قال عكرمة: نزلت في أبي رافع ولبابة بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وغيرهم من رؤوس اليهود. كتموا ما عهد الله إليهم في التوراة في شأن محمد صلى الله عليه وسلم وبدلوه وكتبوا بأيديهم غيره، وحلفوا أنه من عند الله كيلا يفوتهم الرشا والمآكل التي كانت لهم على أتباعهم. وقال الكلبي: إن ناسا من علماء اليهود أولي فاقة أصابتهم سنة فاقتحموا إلى كعب بن الأشرف بالمدينة. فسألهم كعب: هل تعلمون أن هذا الرجل رسول الله في كتابكم؟ قالوا: نعم، وما تعلمه أنت؟ قال: لا. قالوا: فإنا نشهد أنه عبد الله ورسوله. قال كعب: لقد حرمكم الله خيرا كثيرا. لقد قدمتم عليّ وأنا أريد أن أميركم وأكسو عيالكم فحرمكم الله وحرم عيالكم.

فقالوا: فإنه شبه لنا فرويدا حتى نلقاه. فانطلقوا وكتبوا صفة سوى صفته ثم انتهوا إلى رسول الله فكلموه وسألوه ثم رجعوا فقالوا: لقد كنا نرى أنه رسول الله فلما أتيناه إذا هو ليس بالنعت الذي نعت لنا، ووجدنا نعته مخالفا للذي عندنا. وأخرجوا الذي كتبوا فنظر إليه كعب ففرح وأمارهم وأنفق عليهم فنزلت.

وعن الأشعث بن قيس: خاصمت رجلا في بئر فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: شاهداك أو يمينه. فقلت: إذا يحلف ولا يبالي.

فقال صلى الله عليه وسلم: «من حلف عليّ يمين يستحق بها مالا هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان» ونزلت الآية على وفقه.

وقيل: نزلت في رجل أقام سلعة في السوق فحلف لقد أعطى بها ما لم يعطه. ومعنى يشترون يستبدلون، وعهود الله مواثيقه، واليمين هي التي يؤكد الإنسان بها خبره من وعد أو وعيد أو إنكار أو إقرار بذكر اسم الله تعالى أو صفة من صفاته أو ما يجري مجراه. والثمن القليل متاع الدنيا من المال والجاه ونحوهما. ثم إنه تعالى رتب على الشراء بعهد الله وبأيمانهم ثمنا قليلا خمسة أنواع من الجزاء فقوله: أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إشارة إلى أنه لا نصيب لهم في منافعها ونعيمها. وقوله: وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ إشارة إلى حرمانهم عما عند الله من الكرامات والقرب.

وقوله: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ إشارة إلى ما يحصل لهم هنالك من صنوف الآلام وضروب

<<  <  ج: ص:  >  >>