الأهوال. قال المحققون ومنهم القفال: المقصود من هذه الكلمات بيان شدة سخط الله عليهم لأن من منع كلامه في الدنيا غيره فإنما ذلك لسخطه عليه، وقد يأمره بحجبه عنه ويقول: لا أكلمك ولا أرى وجهك. وإذا جرى ذكره لم يذكره بالجميل. قال في الكشاف:
لا ينظر إليهم مجاز عن الاستهانة بهم والسخط عليهم. تقول: فلان لا ينظر إلى فلان تريد نفي اعتداده به. وأصله فيمن يجوز عليه النظر الكناية لأن من اعتد بالإنسان التفت إليه وأعاره نظر عينيه، ثم كثر حتى صار عبارة عن الاعتداد والإحسان وإن لم يكن ثمة نظر. ثم جاء فيمن لا يجوز عليه النظر مجردا لمعنى الإحسان مجازا عما وقع كناية عنه فيمن يجوز عليه النظر. قلت: لعله أراد بهذا المجاز الاستعارة كأنه شبه هذا النظر بذاك النظر، ثم حذف المشبه وأداة التشبيه فبقي استعارة. وفي التفسير الكبير: لا يجوز أن يكون المراد من هذا النظر الرؤية لأنه تعالى يراهم كما يرى غيرهم، ولا يجوز أن يكون المراد من النظر تقليب الحدقة إلى جانب المرئي التماسا لرؤيته لأن هذا من صفات الأجسام وهو تعالى منزه عن ذلك، وقد احتج المخالف بهذه الآية على أن النظر المقرون بحرف «إلى» ليس بمعنى الرؤية وإلا لزم من هذه الآية أن لا يكون الله رائيا وذلك باطل. قلت: يجوز أن يراد بهذا النظر النظر المعهود وهو الذي سيخص الله تعالى به أولياءه من أنه ينظر إليهم وينظرون إليه وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ [القيامة: ٢٢، ٢٣] وعلى هذا جاز أن يكون النظر بمعنى الرؤية لأنه لا يلزم من نفي رؤية يراه العباد أيضا وقتئذ نفي رؤية لا يرونه حينئذ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً عن ابن عباس هم اليهود الذين قدموا على كعب بن الأشرف غيروا التوراة وكتبوا كتابا بدلوا فيه صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت قريظة ما كتبوه فخلطوه بالكتاب الذي عندهم يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ قال القفال: معناه أن يعمدوا إلى اللفظة فيحرفونها في حركات الإعراب تحريفا يتغير به المعنى. فإن الليّ عبارة عن عطف الشيء ورده عن الاستقامة إلى الاعوجاج وهذا كثير في لسان العرب فلا يبعد مثله في العبرانية. وإنما كانوا يفعلون مثل ذلك في الآيات الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وفي غيرها بحسب أغراضهم الفاسدة. وفي الكشاف: أي يقتلونها بقراءته عن الصحيح إلى المحرف. أقول: وذلك أن لي اللسان أشبه بالتشدق والتنطع والتكلف مذموم، فعبر الله عن قراءتهم لذلك الكتاب الباطل بليّ اللسان ذما لهم وتقريعا، ولم يعبر عنها بالقراءة، والعرب تفرق بين ألفاظ المدح والذم في الشيء الواحد لِتَحْسَبُوهُ أي المحرف الذي دل عليه يَلْوُونَ ويجوز أن يقدر مضاف محذوف أي يعطفون ألسنتهم بشبه الكتاب لتحسبوا ذلك الشبه من الكتاب وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ نفى أوّلا كونه من الكتاب، ثم عطف عليه النفي العام