وألزمتكم تحريم الطيبات التي أحلت لإبراهيم ولمن يقتدي به وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وفيه تنبيه على أن محمدا صلى الله عليه وسلم على دين إبراهيم في الفروع لما ثبت أن الذي حكم صلى الله عليه وسلم بحله حكم إبراهيم بحله. وفي الأصول لأن محمدا وإبراهيم كليهما صلى الله عليهما وسلم لا يدعون إلا إلى التوحيد والبراءة عن كل معبود سوى الله تعالى، خلاف اليهود والنصارى، وخلاف عبدة الأوثان والكواكب.
قوله سبحانه: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ قال مجاهد: هو جواب عن شبهة أخرى لليهود وذلك أنهم قالوا: بيت المقدس أفضل من الكعبة لأنه مهاجر الأنبياء وأرض المحشر وقبلة الأنبياء. فكان تحويل القبلة منه إلى الكعبة كالطعن في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: إن الآية المتقدمة سيقت لجواز النسخ، وإن أعظم الأمور التي أظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم نسخها هو القبلة، فذكر عقيب ذلك ما لأجله حولت القبلة إلى الكعبة. وقيل: لما انجر الكلام في الآية المتقدمة إلى قوله: فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ وكان الحج من أعظم شعائر ملته، أردفها بفضيلة البيت ليفرع عليها إيجاب الحج. وقيل: زعم كل من اليهود والنصارى أنه على ملة إبراهيم، فبين الله تعالى ما يدل على كذبهم من حيث إن حج البيت كان من ملة إبراهيم وأهل الكتاب لا يحجون. قالت العلماء: الأول هو الفرد السابق، فلو قال: أول عبد أشتريه فهو حر. فلو اشترى عبدين في المرة الأولى لم يعتق واحد منهما لفقد قيد الفرد. ولو اشترى في المرة الثانية عبدا واحدا لم يعتق أيضا لفقدان قيد السابق. ومعنى كونه موضوعا للناس أنه جعل متعبدهم وموضع طاعتهم يتوجهون نحوه من جميع الأقطار، وليس كل أول يقتضي أن يكون له ثان فضلا أن يشاركه في جميع خواصه، فلا يلزم من كونه أول أن يكون بيت المقدس مثلا ثانيا له ولا مشاركا في وجوب الحج والاستقبال وغيرهما من الخواص.
ثم إن كونه أول بيت وضع للناس يحتمل أن يكون المراد أنه أول في البناء والوضع، ويحتمل أن يراد أنه أول في الوضع وإن كان متأخرا في البناء، فلا جرم حصل فيه للمفسرين قولان: الأول أنه أول في بنائه ووضعه جميعا.
روى الواحدي رحمه الله في البسيط بإسناده عن مجاهد أنه قال: خلق الله هذا البيت قبل أن يخلق شيئا من الأرضين.
وفي رواية أخرى: خلق الله موضع هذا البيت قبل أن يخلق شيئا من الأرض بألفي سنة، وإن قواعده لفي الأرض السابعة السفلى.
وروى أيضا عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن آبائه قال: إن الله تعالى بعث ملائكة فقال: ابنوا لي في الأرض بيتا على مثال البيت المعمور. وأمر الله تعالى من في الأرض أن يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور.
وهذا كان قبل خلق آدم وقد ورد في سائر كتب التفسير عن عبد الله بن عمر