للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يبقى من الزمان بعد الاستطاعة ما يمكنه المسير فيه إلى الحج به السير المعهود، فإن احتاج إلى أن يقطع في يوم مرحلتين أو أكثر لم يلزمه الحج. ولو خرجت الرفقة قبل الوقت الذي جرت عادة أهل بلده بالخروج فيه لم يلزمه الخروج معهم. ووجوب الحج في العمر كالصلاة في وقتها، فيجوز التراخي لكنه إن دامت الاستطاعة وتحقق الإمكان ولم يحج حتى مات عصى على الأظهر وإن كان شابا. وقال أحمد ومالك وأبو حنيفة في رواية: إنه على الفور. حجة الشافعي أن فريضة الحج نزلت سنة خمس من الهجرة وأخره النبي صلى الله عليه وسلم من غير مانع فإنه خرج إلى مكة سنة سبع لقضاء العمرة ولم يحج وفتح مكة سنة ثمان، وبعث أبا بكر أميرا على الحاج سنة تسع وحج هو سنة عشر وعاش بعدها ثمانين يوما.

وأما النوع الثاني فهو استطاعة الاستنابة فإنها جائزة في الحج وإن كانت العبادات بعيدة عن الاستنابة، لأن المحجوج عنه قد يكون عاجزا عن المباشرة بسبب الموت أو الكبر أو زمانة أو مرض لا يرجى زواله.

وعن ابن عباس أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله، إن أختي نذرت أن تحج وماتت قبل أن تحج، أفأحج عنها؟ فقال: لو كان على أختك دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم. قال: فاقضوا حق الله تعالى فهو أحق بالقضاء» «١»

وعنه أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله إن فريضة الله تعالى على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم.

وقد تكون الاستنابة بطريق الاستئجار لأنه عمل يدخله النيابة فيجري فيه الاستئجار كتفريق الزكاة. وعند أبي حنيفة وأحمد لا يجوز ولكن يرزق عليه. ولو استأجر كان ثواب النفقة للآمر وسقط عنه الخطاب بالحج ويقع الحج عن الحاج. والحج بالرزق أن يقول: حج عني وأعطيك نفقتك.

وهذا أيضا جائز عند الشافعي كالإجارة، ولكن لا يجوز أن يقول استأجرتك بالنفقة لأنها مجهولة. والأجرة لا بد أن تكون معلومة. فهذا جملة الكلام في الاستطاعة عند الجمهور.

وعن الضحاك: إذا قدر أن يؤجر نفسه فهو مستطيع، وقيل له في ذلك فقال: إن كان لبعضهم ميراث بمكة أكان يتركه بل كان ينطلق إليه ولو حبوا، فكذلك يجب عليه الحج.

وفي الآية أنواع من التوكيد والتغليظ منها قوله: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ أي حق واجب له عليهم لكونه إلها فيجب عليهم الانقياد سواء عرفوا وجه الحكمة فيها أم لم يعرفوا فإن كثيرا من أعمال الحج تعبد محض. ومنها بناء الكلام على الأبدال ليكون تثنية للمراد


(١) رواه البخاري في كتاب الأيمان باب ٣٠. أبو داود في كتاب الأيمان باب ١٩. أحمد في مسنده (١/ ٢٥٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>