للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الميل عن الاستواء في كل ما لا يرى كالدين والقول. وأما الشيء الذي يرى فيقال فيه «عوج» بالفتح كالحائط والقناة، ولهذا قال الزجاج: العوج بالكسر في المعاني وبالفتح في الأعيان. وتبغون بمعنى تطلبون ويقتصر على مفعول واحد إذا لم يكن معها اللام مثل «بغيت المال والأجر» فإن أريد تعديته إلى مفعولين زيدت اللام. فالتقدير تبغون لها عوجا كما تقول: صدتك ظبيا أي صدت لك ظبيا. والضمير عائد إلى السبيل فإنها تذكر وتؤنث.

والمعنى انكم تلبسون على الناس حتى توهموهم أن فيها زيفا كقولكم: إن النسخ يدل على البداء وإن شريعة موسى باقية إلى الأبد وإن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس بذلك المنعوت في كتابنا أو المراد أنكم تتبعون أنفسكم في إخفاء الحق وابتغاء ما لا يتأتى لكم من وجود العوج فيما هو أقوم من كل مستقيم. ويحتمل أن يكون عِوَجاً حالا بمعنى ذا عوج. وذلك أنهم كانوا يدعون أنهم على دين الله وسبيله فقيل لهم: إنكم تبغون سبيل الله ضالين وَأَنْتُمْ شُهَداءُ أنها سبيل الله التي لا يصد عنها إلا ضال مضل قاله ابن عباس. أو أنتم تشهدون ظهور المعجزات على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، أو أنتم شهداء بين أهل دينكم عدول يصغون لأقوالكم ويستشهدونكم في عظائم الأمور يعني الأحبار. وفيه أن من كان كذلك لا يليق بحاله الإصرار على الباطل والكذب والضلال والإضلال. ثم أوعدهم بقوله: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ كقول السيد لعبده وقد أنكر طريقته. لا يخفى عليّ سيرتك ولست بغافل عنك.

وإنما ختم الآية الأولى بقوله: وَاللَّهُ شَهِيدٌ وهذه بقوله: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ لأن ذلك فيما أظهروه من الكفر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا فيما أضمروه وهو الصد بالاحتيال وإلقاء الشبهة.

وفي تكرير الخطاب في الآيتين بقوله: يا أَهْلَ الْكِتابِ توبيخ لهم على توبيخ بألطف الوجوه وألين المقال لعلهم يتفكرون فينصرفون عن سلوك سبيل الضلال والإضلال. عن عكرمة

ويروى عن زيد بن أسلم وجابر أيضا أن شاس بن قيس اليهودي- وكان عظيم الكفر شديد الطعن على المسلمين- مر على نفر من الأنصار من الأوس والخزرج في مجلس لهم يتحدثون فغاظه ذلك حيث تألفوا واجتمعوا بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة وقال: ما لنا معهم إذا اجتمعوا من قرار. فأمر شابا من اليهود أن يجلس إليهم ويذكرهم يوم بعاث، وهو يوم اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج. ففعل وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار. فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين، أوس بن قيظى أحد بني حارثة من الأوس، وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج- فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئت والله رددتها الآن جذعة. وغضب الفريقان جميعا وقالا: قد فعلنا السلاح السلاح موعدكم الظاهرة وهي

<<  <  ج: ص:  >  >>