للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حيان من الأنصار: بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس، وهما الجناحان. أَنْ تَفْشَلا والفشل الجبن والخور. والظاهر أنها ما كانت عزيمة ممضاة ولكنها كانت حديث نفس وقلما تخلو النفس عند الشدة من بعض الهلع. فإن ساعدها صاحبها ذم وإن ردها إلى الثبات والصبر فلا بأس بما فعل. وعن معاوية أنه قال: عليكم بحفظ الشعر فقد كدت أضع رجلي في الركاب يوم صفين فما ثبتني إلّا قول عمرو بن الأطنابة:

أقول لها إذا جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي

ومما يدل على أن ذلك الهمّ لم يفض إلى حد العصيان قوله تعالى: وَاللَّهُ وَلِيُّهُما ولو كانت عزيمة لما ثبت معها الولاية. ويجوز أن يراد والله ناصرهما ومتولي أمرهما فما لهما يفشلان ولا يتوكلان على الله وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ والتوكل «تفعل» من وكل أمره إلى فلان إذا اعتمد في كفايته عليه ولم يتوله بنفسه. وفيه إشارة إلى أن الإنسان يجب أن يدفع ما يعرض له من مكروه وآفة بالتوكل على الله، وأن يصرف الجزع عن نفسه بذلك.

عن جابر: فينا نزلت إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ نحن الطائفتان: بنو حارثة وبنو سلمة. وما يسرني أنها لم تنزل لقول الله وَاللَّهُ وَلِيُّهُما أخرجاه في الصحيحين. ومع ذلك قال بعض العلماء:

إن الله أبهم ذكرهما وستر عليهما ولا يجوز لنا أن نهتك ذلك الستر. وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وإنه ماء بين مكة والمدينة. عن الواقدي أنه اسم لماء بعينه. وعن الشعبي أنه سمي باسم رجل كان ذلك الماء له وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ إنما جاء بجمع القلة دون الأذلاء الذي هو للكثرة ليدل على أنهم مع قلة العدد- وهو المراد بذلتهم- كانوا قليلي العدد أيضا كما مر في تفسير قوله: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ [آل عمران: ١٣] ولم يعن بالذلة هاهنا نقيض العزة لقوله: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: ٨] أو لعل المراد أنهم كانوا أذلة في زعم المشركين وفي اعتقادهم لقلة عددهم وسلاحهم كما حكى عنهم «ليخرجن الأعز منها الأذل» أو لعل الصحابة كانوا قد شاهدوا الكفار في مكة في غاية القوة والشوكة، وإلى هذا الوقت ما اتفق لهم استيلاء على أولئك الكفار فكانت هيبتهم باقية في نفوسهم فَاتَّقُوا اللَّهَ في الثبات مع رسوله لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ بسبب تقواكم ما أنعم به عليكم من نصره. أو لعل الله ينعم عليكم نعمة أخرى تشكرونها، فوضع الشكر موضع الإنعام لأنه سبب له إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ اختلف المفسرون في أن هذا الوعد حصل يوم بدر فيكون العامل في «إذ» قوله:

نَصَرَكُمُ أو حصل يوم أحد فيكون بدلا ثانيا من إِذْ غَدَوْتَ والأول قول أكثر المفسرين لأن الكلام متصل بقصة بدر، ولأن العدد والعدد يوم بدر أقل وكان الاحتياج إلى المدد أكثر. والثاني مروي عن ابن عباس والكلبي والواقدي ومقاتل ومحمد بن إسحق، لأن المدد

<<  <  ج: ص:  >  >>