للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوم بدر كان بألف من الملائكة لقوله تعالى في سورة الأنفال فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ [الأنفال: ٩] دون ثلاثة آلاف وخمسة آلاف فأنى صاروا خمسة آلاف وأجيب بأنهم أمدوا بألف ثم زيد ألفان فصاروا ثلاثة آلاف، ثم زيدت ألفان آخران فصاروا خمسة آلاف. فكأنه قيل لهم: أن يكفيكم أن يمدكم ربكم بألف من الملائكة؟ فقالوا: بلى.

ثم قيل: ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف؟ فقالوا: بلى. ثم قيل لهم: إن تصبروا وتتقوا يمددكم ربكم بخمسة آلاف. وهو كما

روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: «أيسركم أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قالوا: نعم. قال: أيسركم أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قالوا: نعم. قال:

فإني أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة» «١» .

وأيضا لعل أهل بدر أمدوا بألف، ثم بلغهم أن بعض المشركين يريد إمداد قريش بعدد كثير فخافوا وشق ذلك عليهم لقلة عددهم فوعدهم الله بأن الكفار إن جاءهم مدد فأنا أمدكم بخمسة آلاف من الملائكة. ثم إنه لم يأت قريشا ذلك المدد بل انصرفوا حين بلغهم هزيمة قريش فاستغنى عن إمداد المسلمين بالزيادة على الألف. قالوا: إن الكفار كانوا يوم بدر ألفا والمسلمون على الثلث منهم فأنزل الله ألفا من الملائكة بعدد الكفار، وأما يوم أحد فكان عدد المسلمين ألفا وعدد الكفار ثلاثة آلاف، فلا جرم أنزل الله ثلاثة آلاف من الملائكة بعدد الكفار أيضا، ثم وعدهم أن يجعل الثلاثة الآلاف خمسة آلاف إن صبروا واتقوا. وأجيب بأن هذا تقريب حسن ولكنه لا يغلب على الظن أن يكون الأمر كذلك. قالوا: قال تعالى: وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ ويوم أحد هو الذي كان يأتيهم الأعداء، أما يوم بدر فهم ذهبوا إلى الأعداء. وأجيب بأن المشركين لما سمعوا يوم بدر أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد تعرضوا للعير، ثار الغضب في قلوبهم واجتمعوا وقصدوا النبي صلى الله عليه وسلم. ثم إن الصحابة لما سمعوا ذلك خافوا فأخبرهم الله تعالى أنهم إن أتوكم من فورهم يمددكم ربكم بخمسة آلاف. ثم قالوا في وجه النظم إنه تعالى ذكر قصة أحد ثم قال: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ أي يجب أن يكون توكلكم على الله لا على كثرة عددكم وعددكم وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ثم عاد إلى قصة أحد. ثم إنزال خمسة آلاف كان مشروطا بشرط أن يصبروا ويتقوا. ثم إنهم لم يصبروا عن الغنائم ولم يتقوا بل خالفوا أمر الرسول، فلما مات الشرط لا جرم فات المشروط. وأما إنزال ثلاثة آلاف فإنه صلى الله عليه وسلم وعدهم ذلك بشرط أن يثبتوا في تلك المقاعد، فلما أهملوا الشرط لم يحصل المشروط.

روى الواقدي عن مجاهد أنه قال: حضرت الملائكة يوم أحد ولكنهم لم يقاتلوا.

وروي عن


(١) رواه مسلم في كتاب الإيمان حديث ٣٧٦، ٣٧٧. الترمذي في كتاب الجنّة باب ١٣. ابن ماجه في كتاب الزهد باب ٣٤. أحمد في مسنده (٤/ ١٦٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>