في حال الركوب لا نفي المجيء على الإطلاق أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وهي إشارة إلى إزالة العقاب وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وهذه إشارة إلى إيصال الثواب وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ ذلك الجزاء. قال القاضي: وهذا يبطل قول من قال:
إن الثواب تفضل من الله وليس جزاء على عملهم، وذلك أنه سمى الجزاء أجرا والأجر واجب مستحق فكذلك الجزاء. ولقائل أن يقول: إنه على وجه التشبيه لا التحقيق.
واستدلوا أيضا بالآية على أن أهل الجنة هم المتقون والتائبون دون المصرين لقوله: وَلَمْ يُصِرُّوا والجواب ما مر أن كون الجنة معدة للمتقين الموصوفين لا يوجب أن لا يدخلها غيرهم بفضل الله وبرحمته. ثم ذكر ما يحمل المكلفين على فعل الطاعة وعلى التوبة من المعصية وهو تأمل أحوال القرون الخالية فقال: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ وأصل الخلو الانفراد، والمكان الخالي هو المنفرد عمن يسكن فيه، وكل ما انقرض ومضى فقد انفرد عن الوجود، والسنة الطريقة المستقيمة. والمثال المتبع وهي «فعلة» بمعنى «مفعولة» من سن الماء يسنه إذا والى صبه فكأنه أجراه على نهج واحد، أو من سننت؟؟؟ النصل أحددته، أو من سن الإبل إذا أحسن الرعي. والمراد قد مضت من قبلكم سنن الله تعالى في الأمم السالفة يعني سنن الهلاك والاستئصال بدليل قوله: فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ فإنهم خالفوا رسلهم للحرص على الدنيا وطلب لذاتها، ثم انقرضوا ولم؟؟؟؟ أثر وبقي عليهم اللعن في الدنيا والعقاب في الآخرة هذا قول أكثر المفسرين. قال مجاهد: المراد سنن الله في الكافرين والمؤمنين فإن الدنيا ما بقيت لا مع المؤمن ولا مع الكافر، ولكن المؤمن بقي له الثناء الجميل والثواب الجزيل والكافر له اللعن والعقاب. ثم قال فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ لأن التأمل في حال أحد القسمين يكفي في معرفة حال القسم الآخر، أو لأن الغرض زجر الكفار عن كفرهم وذلك إنما يحصل بتأمل أحوال أمثالهم.
وليس المراد من قوله فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ الأمر بالسير بل المقصود تعرّف أحوالهم. فإن حصلت هذه المعرفة بغير المسير في الأرض كان المقصود حاصلا. ولا يبعد أن يقال: ندب إلى السير لأن لمشاهدة آثار الأقدمين أثرا أقوى من أثر السماع كما قيل:
إن آثارنا تدل علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثار
هذا بَيانٌ المشار إليه بهذا إما أن يكون جميع ما تقدم من الأمر والنهي والوعد والوعيد للمتقين والتائبين والمصرين ويكون قوله: قَدْ خَلَتْ جملة معترضة للبعث على الإيمان وما يستحق من الأجر، وإما أن يكون ما حثهم عليه من النظر في سوء عواقب المكذبين ومن الاعتبار بما يعاينون من آثار هلاكهم. أما البيان والهدى والموعظة فلا بد من