يستقيم قوله: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا لأن أتباع الرجل والمقتدين به حكمهم حكمه.
ثم إنه تعالى لم يجبهم عن شبهتهم. أما على قواعد أهل السنة فبأن يقول يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد، فلا يبعد أن يأمر عبيده ببذل الأموال مع كونه أغنى الأغنياء. وأما على قوانين المعتزلة فبأن في هذا التكليف فوائد منها: إزالة حب المال عن القلب، ومنها التوسل إلى الثواب المخلد، ومنها تسخير البعض للبعض فبذلك ترتبط أمور التمدن وتنتظم أحوال صلاح المعاش والمعاد وإنما لم يجب لكثرة ورودها في القرآن لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: ٩٢] مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً [البقرة: ٢٤٥] وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ [البقرة: ٢٧٢] ولأن وجوب الوجود عبارة عن الغنى المطلق حتى لا يحتاج في ذاته ولا في شيء من صفاته ولا بجهة من جهاته إلى ما سوى ذاته. فمن اعترف بوجوب وجوده ثم شك في كمال غناه في وجوده فقد عاد بالنقض على موضوعه فلا يستحق الجواب عند أولي الألباب، وإنما يستأهل صنوفا من العتاب وضروبا من العذاب. فلهذا قال على جهة الوعيد سَنَكْتُبُ ما قالُوا في صحائف الحفظة، أو نستحفظه ونثبته في علمنا لا ننساه كما يثبت المكتوب فلا ينسى. وفي التفسير الكبير: سنكتب عنهم هذا الجهل في القرآن حتى يبقى على لسان الأمة إلى يوم القيامة. ثم عطف عليه قتلهم الأنبياء ليدل على أنهم كما لو يقدروا الله حق قدره حتى نسبوا إليه ما نسبوه، فكذلك لم يقضوا حقوق الأنبياء ففعلوا بهم ما فعلوا. وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ وهو من أسماء جهنم. «فعيل» بمعنى «مفعول» كالأليم بمعنى المؤلم. أو سميت باسم صاحبها أي ذات حرقة. والمعنى: ينتقم منهم فيقول لهم ذوقوا عذاب النار كما أذقتم المسلمين جرع الغصص. وهذا القول يحتمل أن يقال عند الموت، أو عند الحشر، أو عند قراءة الكتب. ويحتمل أن يكون كناية عن الوعيد وإن لم يكن ثمة قول. ذلِكَ العذاب أو الوعيد بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ من السب والقتل. وذكر الأيدي لأن أكثر الأعمال يباشر باليد، فجعل كل عمل كالواقع بالأيدي على سبيل التغليب وإن كان بعضه باللسان أو بسائر الجوارح والآلات. وإنما جمع لأن المخاطب جمع ولو كان مفردا. قيل: بما قدمت يداك مثنى كما في سورة الحج. قال الجبائي: قوله: وَأَنَّ اللَّهَ أي وبأن الله ليس بظلام للعبيد، فيه دلالة على أن فعل العقاب بهم كان يكون ظلما بتقدير أن لا يقع منهم الذنوب. وفيه بطلان قول المجبرة أن الله يعذب الأطفال بغير جرم ويجوز أن يعذب البالغين بغير ذنب، ويدل على كون العبد فاعلا وإلا لكان الظلم حاصلا. والجواب أنه لم ينف الظلم عن نفسه بمعنى أن الجزاء إنما كان مرتبا على الذنب الصادر بكسب العبد وفعله فلا ظلم، بل بمعنى