أنه مالك الملك، والمالك إذا تصرف في ملكه كيف شاء لم يكن ذلك ظلما. فخلق ذلك الفعل فيهم وترتيب العذاب عليه لا يكون ظلما. قيل: إنه نفى الظلم الكثير عن نفسه وذلك يوهم ثبوت أصل الظلم له، أجاب القاضي بأن العذاب الذي توعد بأن يفعل بهم لو كان ظلما لكان عظيما، فنفاه على حد عظمه لو كان ثابتا. وهذا يؤكد ما ذكر أن إيصال العقاب إليهم كان يكون ظلما عظيما لو لم يكونوا مذنبين. أقول: إنه تعالى نفى حقيقة الظلم عنه في قوله: وَما ظَلَمْناهُمْ [هود: ١٠١] وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة: ٢٨١] وبحقيقة ما ذكرناه أنه مالك الكل له أن يتصرف في ملكه كيف يشاء، ولكنه نفى هاهنا كثرة الشر والظلم أن يصدر عنه كأنه قال: إن خيّل إليكم أن في الوجود شرا بناء على ما في ظنكم من أن الحكيم قد يصدر عنه الشر القليل بتبعية الخير الكثير، فاعلموا أني منزه عن صدور الشر الكثير مني، وأن هذا من الشر القليل الذي في ضمنه خير كثير. ونقول: أراد نفي الشر القليل وأصل الظلم عنه، ولكن القليل من الظلم بالنسبة إلى رحمته الذاتية كثير، فلهذا عبر عنه بلفظ الكثرة والمبالغة. ثم قرر الشبهة الأخرى لهم فقال: الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا
قال الكلبي: نزلت في كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف ووهب بن يهودا وزيد بن التابوت وفنحاص بن عازوراء وحيي بن أخطب، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: تزعم أن الله بعثك إلينا رسولا، وأنزل عليك الكتاب، وإن الله قد عهد إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول يزعم أنه جاء من عند الله حتى يأتينا بقربان تأكله النار، فإن جئتنا به صدقناك فنزلت.
قال عطاء: كانت بنو إسرائيل يذبحون لله فيأخذون الثروب وأطايب اللحم فيضعونها في وسط بيت والسقف مكشوف، فيقوم النبي في البيت ويناجي ربه وبنو إسرائيل خارجون واقفون حول البيت، فتنزل نار بيضاء لها دوي وحفيف ولا دخان لها فتأكل ذلك القربان وهو البر الذي يتقرب به إلى الله. وأصله مصدر كالكفران والرجحان. ثم سمي به نفس المتقرب به إلى الله ومنه
قوله عليه السلام لكعب بن عجرة:«يا كعب، الصوم جنة والصلاة قربان»«١»
أي بها يتقرب إلى الله ويستشفع في الحاجة لديه. وللعلماء فيما ادعاه اليهود قولان: قال السدي: إن هذا الشرط جاء في التوراة مع الاستثناء. قال: من جاءكم يزعم أنه رسول الله فلا تصدقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله النار إلا المسيح ومحمدا. فكانت هذه العادة جارية إلى مبعث المسيح ثم زالت. وقيل: إنه افتراء لأن المعجزات كلها في كونها خارقة للعادة وآية لصحة النبوة سواء، فأي فائدة في تخصيصها؟ ولأنه إما أن يكون في التوراة أن مدعي