ونقل صاحب كتاب الزيدية ص (٣٥٦) عن القاسم الرسي المتوفى سنة (٢٤٦ هـ) قوله: "لنا أم صديقة غضبت على أبي بكر لمنعها فدك ونحن غاضبون لغضبها".
ونقل عن حفيده الهادي يحيى بن الحسين المتوفى سنة (٢٩٨ هـ) أنه قال بتخطئة أبي بكر - رضي الله عنه - في فدك بدعوى أنها كانت ملك فاطمة - رضي الله عنها- قبل وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم- الذي كان قد وهبها إياها، ويعتبر أن أبا بكر قد رد الجميل إلى عمر - رضي الله عنهما - حين عهد إليه بالخلافة من بعده، انظر: كتاب الزيدية ص ١٨١.
فهذا أغلظ كلام أئمة الزيدية في اليمن في الخلفاء، أما الباقون فهم على ما ورد عن زيد بن علي من تفضيل علي بن أبي طالب والترضي عن بقية الصحابة، فقد ذكر يحيى بن حمزة المؤيد بالله المتوفى سنة (٧٤٩ هـ) قول أئمتهم مفصلا في الصحابة في رسالة سماها (الرسالة الوازعة للمعتدين عن سب صحابة سيد المرسلين)، ننقل من ذكر منها صاحب كتاب الزيدية ص ٣١٩ وهو قوله: التكفير والتفسيق لا يكونان إلا بدلالة قاطعة ولم يقم البرهان الشرعي إلا على الخطأ في النظر إلى النصوص دون أمر زائد على ذلك من كفر أو فسق، إنا نعلم قطعا وبالضرورة صحة أديانهم وسلامة إيمانهم واستقامتهم على الدين ومحبتهم لرسول رب العالمين ورضاه عنهم ومعرفته لهم ونصرتهم له في المواطن التي تزل فيها الأقدام، وما ورد عنه نت الثناء عليهم وشهادته لهم بالجنة ورضاه عنهم في أكثر أحوالهم … ثم ذكر بعض النصوص الشرعية في الثناء على الصحابة، ثم ذكر حال علي - رضي الله عنه - مع الخليفتين، وأنه كان لهما الوزير والمعين وكذلك الحال بالنسبة لابنيه الحسن والحسين، ثم قال: أما حال زيد فقد كان انصراف الرافضة عنه وما لزم عن هذا من قتل كان أهون عليه من أن يقبل التبري من الشيخين قائلا: كيف أتبرأ منهما وقد كانا وزيري جدي وصهريه، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم-، كذلك فإن الأمر من محمد النفس الزكية وإبراهيم ويحيى ابني عبد الله ولو قد سبوهما لما تابعهم أكابر المعتزلة لأن لعن الصحابة عندهم يبطل العدالة فضلا عن الإمامة، وسئل جعفر الصادق عن أبي بكر فقال: ما أقول فيمن أولدني مرتين (يعني بذلك أن أمه فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وأمها بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، فجده لأمه وأم أمه أبو بكر رضي الله عنه)، وكان الناصر للحق يملي أحاديث مروية عنهما بالترضية عليهما فلما كف المستملي من كتابة الترضية زجره الإمام قائلا: لم لا تكتب (رضي الله عنهما)، إن هذا العلم لا يؤثر إلا عنهما أو عن أمثالهما.
فخلص من هذا إلى أنه لم يؤثر عن أمير المؤمنين ولا عن أحد من أئمة أهل البيت بكفر أو فسق أحد من الصحابة، وأن الإقدام على الاكفار والتفسيق من غير بينة وعلى غير بصيرة إثم كبير، بينما التوقف فيهم ليس إقداما على محظور، وليس التوقف مذهبا وإن كان مذهب الهادي والقاسم والمنصور، وإنما الترضية، لأنا رضينا على من رضي الله ورسوله عليهم حيث قال فيهم الله تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} وقال: {وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا} وقال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإيمَان}.
إن مذهبنا الذي نحب أن نلقى الله ونحن عليه: أن الإمام بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- هو علي بن أبي طالب مع حسن الظن في الثلاثة الذين تولوا قبله، فما فعلوا ذلك جرأة على الله بل على سبيل الخطأ في النظر، وما خطؤهما في مخالفة النصوص بكبيرة ولا صغيرة لما اشتملت عليه النصوص من دقة وغموض، وما كان إقدامهم على مخالفة النصوص جرأة على الدين وأنهم يدخلون الجنة لما ورد فيهم من الأخبار.
ولقد قال الإمام المنصور:"إن أئمة الزيدية وعلماءها متابعون للجارودية، غير أن غرضه أنهم متابعون لهم في القول بالنص الخفي على علي لا فيما ورد عن أبي الجارود من تفسيق الصحابة فذلك ما لم يرد عن أحد من أئمة الزيدية".
وقال الهادي يحيى بن الحسين في كتاب الأحاكم:"من أنكر النص على أمير المؤمنين فقد كذب الله ورسوله ومن كذب الله ورسوله فقد كفر بالله ورسوله".
ولكن هذا القول من الهادي محمول على من أنكر قول الرسول - صلى الله عليه وسلم-: "من كنت مولاه فعلي مولاه" وليس محمولا على الصحابة، وإلا فكتاب الأحكام محشو بالرواية عن الصحابة وعن أبي بكر وعمر ولو قد كفرهم أو فسقهم لما نقل عنه لأن الكافر أو الفاسق ساقط العدالة ولا يوثق بقوله. انتهى.
وبهذا النقل المطول يتضح أن أكثر أئمة الزيدية في اليمن على مذهب زيد في عدم الطعن في الصحابة ما عدا الكلام الذي سبق ذكره عن القاسم والهادي وقد اعتذر عن الهادي المؤيد بالله بما سبق ذكره عنه، والله أعلم.