وانظر أيضا: إحياء علوم الدين ١/ ١٠٠ مع اختلاف بسيط في بعض الألفاظ، وقد ذكر بعده كلاماً ننقل منه قوله في مضرة الكلام ومنفعته، فقال: "أما مضرته فإثارة الشبهات وتحريك العقائد وإزالتها عن الجزم والتصميم فذلك مما يحصل في الابتداء، ورجوعها بالدليل مشكوك فيه، ويختلف فيه الأشخاص، فهذا ضرره في اعتقاد الحق، وله ضرر آخر في تأكيد اعتقاد المبتدعة للبدعة وتثبيته في صدورهم بحيث تنبعث دواعيهم ويشتد حرصهم على الإصرار عليه … "، ثم قال: "أما منفعته فقد يظن أن فائدته كشف الحقائق ومعرفتها على ما هي عليه وهيهات، فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف ولعل التخبيط والتضليل فيه أكثر من الكشف والتعريف، وهذا إذا سمعته من محدث أو حشوي ربما خطر ببالك أن الناس أعداء ما جهلوا فاسمع هذا ممن خبر الكلام، ثم قلاه بعد حقيقة الخبرة وبعد التغلغل فيه إلى منتهى درجة المتكلمين، وجاوز ذلك إلى التعمق في علوم أخر تناسب نوع الكلام، وتحقق أن الطريق إلى حقائق المعرفة من هذا الوجه مسدود، ولعمري لا ينفعك الكلام عن كشف وتعريف وإيضاح لبعض الأمور ولكن على الندور في أمور جلية تكاد تفهم قبل التعمق في صنعة الكلام، بل منفعته شيء واحد وهو حراسة العقيدة التي ترجمناها على العوام، وحفظها عن تشويشات المبتدعة بأنواع الجدل فإن العامي ضعيف يستفزه جدل المبتدع وإن كان فاسداً، ومعارضة الفاسد بالفاسد تدفعه" الإحياء ١/ ١٠٢ - ١٠٣. فانظر هذ الكلام الواضح الجلي من أهل الصنعة بل من رؤوس أهلها كيف ذكر خطورة الكلام على العقيدة، وأنها تنقل الإنسان من اليقين إلى الشك والزعزعة، وهل بعد هذا الضرر ضرر، وهل يبقى مع الشك و الحيرة إيمان ودين؟ أما المنفعة التي ذكرها فهي منفعة وهمية غير صحيحة على ندرتها كما أن في الدلائل الشرعية والبراهين الإلهية ما بقي بكل غرض إذا صرفت له الهمة وبذل فيه الجهد، وكأني بالغزالي يظن أن الدلائل الشرعية إنما يقبلها أهل التسليم من أهل الإيمان وليس فيها ما يعطي القناعة ويدفع الشبهة، ويقيم الحجة، لهذا زعم أن عقيدة العوام تحرس بشيء من الجدل الذي يرد به على أهل الجدل ويكون ذلك معارضة فاسد بفاسد في حال أن العامي لا يدرك فساد الحجتين والحق أن القرآن والسنة أقام الله بهما من الدلائل الشرعية والعقلية ما بقي بالغرض ويقنع طالب الحق فقد أقام الحجة في القرآن على المشركين بصنوف الأدلة العقلية التي ليس هذا موضع تفصيلها كما أقام الحجة على صنوف الملحدين والمنكرين للبعث والمكذبين للرسل والمنافقين، وهؤلاء هم رؤوس أهل الضلالة، وإن جميع أنواع الضلال الأخرى دون هذا والحجة عليه أوضح وأظهر