ووجدت منهم من جمع في السنن المروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وعن أصحابه ما لا تجده في غيرهم، فلذلك سموا أهل الحديث، وكذلك في الفقه وحصر أقوال العلماء، ولا تجد عند أحد من الزيدية وأهل الأهواء مثل ذلك، وإنما عندهم خطب وأشياء يضيفونها إلى أهل البيت لو طولبوا بسندها لم يقدروا إلا بالاختراص والاعاء.
وإن نظرت إلى ظهور الكلمة لم تجد القائم بالجمع والأعياد والمناسك إلا منهم، ولا تقرع المنابر في الأمصار في مكة والمدينة فلا بكلامهم وبما تقتضي مذاهبهم، ولو أن خطيباً من القدرية خطب بمكة بما يقتضي مذهبهم بأن يقول الحمد لله الذي لم يسبق الأشياء في الوجود الذي ليس له سمع ولا بصر ولا إرادة ولا كلام ولا حياة ولا قدرة الذي لا يتم ما أراده من خلقه ويتم ما أراده إبليس منهم الذي لا يغفر للمذنبين ولا يعلم ما يكون حتى يكون ولا يقدر على أفعال خلقه، ويعدد ما يقتضيه مذهبهم الفاسد من إبطال الشفاعة والتكذيب بعذاب القبر والميزان والصراط، وكون الجنة والنار غير مخلوقين وغير ذلك، فهل يقع لكل عاقل إلا أن السيوف تسبق إلى حز رقبة هذا الخطيب، وإن كان هو المستولي على البلد قبل الرد عليه بالكلام، فعلم بذلك صحة قولنا، وفي هذا ما يبطل قول هذا المخالف الموضوع للأذى وهو قوله: إن هذا القائل في بلد أهله بحكم الموتى إلى آخر كلامه الذي لا معنى تحته إلا قلة الحياء والعلم.
وقد احتجت القدرية وغيرهم من أهل الأهواء: أن القلة فيهم تدل على إصابتهم للحق بقوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ}(١).