للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب عن هذا من وجوه.

أحدهما: أن نقول: يجوز أن تكون (ما) هاهنا للنفي فيكون المعنى {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} أي ما هم قليل (١)، فيسقط احتجاجهم.

والثاني: أن الآية واردة على سبب وهو قوله: {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي يزيد بأخذ اكثر من حقه ويظلم خليطه إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإنهم لا يبغون على خلطائهم وقليل من لا يبغي على خليطه (٢)، بل الغالب أن كلا يريد أخذ أكبر من حقه، ولم يرد أنهم قليل في كون قولهم غير ظاهر أو عددهم في الأمة قليل لأن هذا يخالف قوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} (٣).

والجواب الثالث: يجوز أن يكون عددهم قليلاً مع يأجوج ومأجوج (٤)،


(١) لم أجد من العلماء من قال: إن (ما) هنا نافية إضافة إلى أن سياق الآية يأبى ذلك، وذلك أنه قدم أن أكثر الخلطاء يبغي بعضهم على بعض، ثم استثنى منهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات والمستثنى غالباً يأتي أقل من المستثنى منه.
(٢) المراد هنا أن (ما) تكون موصولة بمعنى (الذي) والموصوف بالقلة هنا هم الذين لا يبغون من الخلطاء على غيرهم، لأن القليل منهم الذي لا يبغي على خليطه بهذا لا يكون فيها وجه لاستدلال المعتزلة وأهل الأهواء بأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم القليل في الناس مع أن الاستدلال بها لهذا باطل لأنه يمكن لكل نحلة فاسدة أن تستدل بهذا، فيمكن للباطنية والروافض والخوارج والصوفية وغيرهم أن يستدلوا بأنهم قليل بالنسبة إلى غيرهم، فعلى هذا يكونون أهل الحق بزعمهم. والآية هنا ظاهرة الدلالة على صنف واحدمن الناس وهم المؤمنون الذين صدقت أقوالهم أعمالهم ولا يكون ذلك إلا للمتبع للشرع، فأما المبتدع فليس من ذلك في شيء، وقد أورد ابن جرير والقرطبي أن (ما) هنا على معنيين إما أن تكون زائدة فيكون المعنى (وقليل هم) أو تكون موصولة، وهم مبتدأ وقليل خبر فيكون المعنى (الذين هم قليل) وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما. انظر: تفسير ابن جرير ٢/ ١٤٥، تفسير القرطبي ١٥/ ١٧٩، فتح القدير للشوكاني ٤/ ٤٢٦.
(٣) التوبة آية (٢٣).
(٤) يدل على ذلك حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "يقول الله يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك قال: يقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون فذاك حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، فاشتد ذلك عليهم فقالوا: يا رسول الله أينا ذلك الرجل قال: أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج الف ومنكم رجل، ثم قال: والذي نفسي في يده إني لأطمع أن تكونوا شطرا أهل الجنة، قال: فحمدنا الله وكبرنا ثم قال: والذي نفسي في يده إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو الرقمة في ذراع الحمار". أخرجه خ. كتاب الرقاق (ب. قوله تعالى: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} ٨/ ٩٤، م. كتاب الإيمان (ب. قوله يقول لآدم أخرج بعث النار) ١/ ٢٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>