للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويوافق ظاهر القرآن فجرى مجرى أخبار التواتر، وعلى أنه إذا جاز الاستدلال بأخبار الآحاد في جلد الإنسان وضرب الرقاب وتحليل الفروج وتحريمها جاز الاستدلال بها في الأصول (١).

وأما الجواب عن قوله إنه عام فيكون مخصوصاً بما قدمناه: فإن هذا جهل من المخالف بصيغة العموم والخصوص وكيفية الاستدلال بهما، وذلك أنا لا ننكر أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم- "إن الله صانع كل صنعة" عام في جميع الصفات والأعمال في الخير والشر، وعلى مذهب هذا المخالف أن الله لم يصنع شيئاً من الصنع الموجودة من العباد لا في الخير ولا في الشر فيحمل عليه الخبر، وقد اعترض هذا المخالف على قولي: "فأخبر أنه خلق نفس أعمالهم كما أخبر أنه يجازيهم على نفس أعمالهم بقوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (٢). وقال: "هذا دليل على المستدل بأن الجزاء من الله هذا لا يكون إلا على شيء أتواهم به فأما ما خلقه الله فلا يجازون به".

والجواب عن هذا أن يقال له: هذا شرح لمذهبك فهو غير مسلم، ونحن


(١) هذا هو المذهب الحق في أخبار الآحاد وهي أنها تفيد العلم إذا تلقتها الأمة بالقبول عملاً وتصديقاً لها، وهو قول جمهور العلماء، بل نقل ابن عبد البر عليه الإجماع، وخالف في ذلك طائفة تابعوا بعض أهل الكلام. ومتى أفادت العلم وجب قبولها في العقائد وغيرها إذ لا فرق بين الاستدلال بها على الحدود وسائر الأحكام الشرعية وبين الأمور الاعتقادية مثل صفات الله جل وعلا وأشراط الساعة والقيامة والحساب والجنة والنار وغيرها، وقد جعل المتكلمون سواء في ذلك المعتزلة ومن تابعهم من الأشاعرة وغيره هذا أصلاً في رد أحاديث الصفات وما خالف قواعدهم العقلية أعني قولهم في كل خبر أرادوا رده وإبطاله "هذا حديث أحاد لا تثبت به العقائد"، وقد رد ابن القيم - رحمه الله - هذا الكلام وأبطله في كتابه مختصر الصواعق المرسلة وأبان أنه لا فرق بين قبول خبر الواحد في الاعتقاد أو الأحكام الشرعية. انظر: مجموع الفتاوى ٣٣/ ٣٥١، مختصر الصواعق المرسلة ٢/ ٣٦٢ - ٣٧٠، ٤٠٦ - ٤١٢. شرح الكوكب المنير ص ٢٦٤ - ٢٦٥، وشرح الطحاوية ص ٣٩٩، مذكرة أصول الفقه على روضة الناضر/ للشيخ محمد الأمين الشنقيطي ص ١٠٤ - ١٠٥.
(٢) السجدة آية (١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>