للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالث: قوله: {وَهُمْ} لو أراد ما لا يعقل لقال: وهي.

والرابع: قوله: {يُخْلَقُونَ}، ومثل هذا الجمع قوله تعالى: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} (١)، فأخبر أن الأصنام والغاوين يكبكبهم في جهنم، والدليل على أن الأصنام مرادة بهذا قوله تعالى في أول الآية: {قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} (٢)، فهذا الجمع بقوله: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ … } الآية بخلاف الجمع بقوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} (٣)، لما لم يجمع الأصنام مع من يعقل أخبر عنها بـ (ما)، لأنها لما لا يعقل، ولهذا قال ابن الزبعرى (٤): لأخصمن محمداً بهذه الآية، فقال: يا محمد قد عبدت الملائكة وعبدت عيسى أفيدخلون النار؟ فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: "لقد أنساكم كفركم لغتكم إن الله سبحانه وتعالى قال: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} (٥)، ولم يقل (ومن تعبدون) وأنزل الله سبحانه مصدقاً لنبيه - صلى الله عليه وسلم- {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} يعني الملائكة وعيسى (٦).


(١) الشعراء آية (٩٤ - ٩٥).
(٢) الشعراء آية (٧١).
(٣) الانبياء آية (٩٨).
(٤) هو عبد الله بن الزبعري بكسر الزاي والباء وسكون العين بعدها راء مقصورة ابن قيس بن عدي القرشي السهمي كان من أشعر قريش، وكان شديداً على المسلمين، ولما فتح النبي - صلى الله عليه وسلم- مكة هرب إلى نجران ثم عاد مسلماً معتذراً، وقال في النبي - صلى الله عليه وسلم- مدحا كثيراً يكفر به ما مضى من هجائه. انظر: الاستيعاب بهامش الإصابة ٦/ ١٨، الإصابة ٦/ ٨١.
(٥) في - ح - {وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}.
(٦) لم أقف على من ذكر ذلك، أعني ما ذكر من قول النبي - صلى الله عليه وسلم- "لقد أنساكم كفركم لغتكم … " وإنما القصة رواها ابن جرير وابن أبي حاتم والطبري وغيرهم، وليس فيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم- رد عليه وإنما نزلت الآية تستثني الملائكة وعيسى وعزيرا إلا رواية أخرجها ابن جرير عن ابن إسحاق وهي منقطعة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال له: "نعم كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده إنما يعبدون الشياطين ومن أمرهم بعبادته". فأنزل الله {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ … } الآية. انظر: تفسير ابن جرير ١٧/ ٩٦/ الدر المنثور ٥/ ٦٧٩ وقد استنكر ابن جرير جعل قول من قال: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ … } مستثنى من قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ … } الآية، واعتبرها كلاماً مستأنفا. لأن الله عبر عن المعبودين من دونه الذين هم حصب جهنم? (ما) وهي مختصة بما لا يعقل.

<<  <  ج: ص:  >  >>