للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقول المخالف: عدم العلم لا يمنع من وجود الأفعال، لا يصح لما بينته (١). وأما قوله: الذي يحيل وجود الأفعال عدم القدرة فصحيح ولكن يشترط وجود القدرة ووجود العلم (٢) من الفاعل كما اشترطت حياته، وترتيب أفعال الفاعل في التقديم والتأخير يدل على أن له إرادة لما فعل.

فإذا تقرر بما ذكرت كون العلم شرطاً لوجود الاختراع ووجدنا الحركات التي تصدر من الإنسان وغيره من الحيوان لو سئل عن عددها وتفاصيلها (٣) لم يكن عنده خبر منها، ووجدنا الصبي حين يولد يقصد إلى ثدي أمه ويمص اللبن، والهرة حين تولد تدب إلى ثدي أمها وهي مغمضة عينيها، والعنكبوت ينسج من البيوت أشكالاً غريبة، وكذلك النحل تعمل بيوتها على شكل يعجز المهندسون عن معرفة كيفية أشكالها، علم (٤) أن الصانع لها هو الله الخالق لكل شيء العالم بهذه الأشكال والتصويرات.

وأما قول المخالف: لما لم يخرج العباد عدم علمهم بأفعالهم عن كونهم مكتسبين لها عندكم لم يخرجهم عدم علمهم عن كونهم خالقين لها عندنا، فغير صحيح، لأن الخلق الذي هو: الاختراع والإنشاء اسم مدح تسمى به الله سبحانه فاختص بذلك بوصف مختص به زايد على ما يوصف به غيره، وهو الكسب وهو كونه عالماً بما اخترعه وأنشأه قبل الاختراع وبعده، وقد نبه الله تعالى (٥) على ذلك بقوله: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} (٦) ولم يقل


(١) في - ح - يثبته.
(٢) في - ح - (يشترط مع وجود القدرة وجود العلم).
(٣) في - ح- (وعن تفاصيلها).
(٤) في - ح- (وقد علم).
(٥) ليس في - ح - (لفظ الجلالة).
(٦) الملك آية (١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>