للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محجوجون بقوله تعالى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (١)، وبقوله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ} (٢)، فأخبر سبحانه أنه لو بسط الرزق للعباد لبغوا في الأرض وخالفتم قول جماعة المسلمين: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن (٣).

ويقال للقدري: إذا كانت المشيئة عندكم تنقسم إلى مشيئة الاختيار ومشيئة القهر والإجبار، وقلتم: إن الله قد شاء من جميع العباد الإيمان مشيئة الاختيار منهم ولم يشأ منهم الإيمان مشيئة القهر والإجبار، ولذلك لم يكن خبر الله بخلاف مخبره بقوله: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} (٤)، فما يقولون لو أجبرهم على الإيمان وشاء ذلك منهم مشيئة الإجبار؟ (٥) أيكون خبر الله في هذه الآية بخلاف (٦) مخبره، قيل لهم: فما يؤمنكم من قائل يقول إنه لا يصير كذلك ويقول أراده مشيئة الاختيار لا مشيئة الإجبار (٧)، فإن قلتم: لا يقبل منه هذا التأويل لأن المشيئة عامة في المعنيين، قلنا لهم: ونحن لا نقبل منكم هذا التأويل لأن المشيئة عامة في المعنيين (٨)، ولهذا قال رجل لامرأته: أنت طالق ثلاثاً إن شئت من عبدك أن يدخل


(١) البقرة آية (٢٨٤).
(٢) الشورى آية (٢٧).
(٣) ذكر هذه المسألة الأشعري في مقالاته وقال: "قالت المعتزلة كلها غير ابن المعتمر: إنه لا لطف عند الله لو فعله بمن لا يؤمن لآمن، ولو كان عنده لطف لو فعله بالكفار لآمنوا ثم لم يفعل بهم ذلك لم يكن مريداً لمنفعتهم فلم بصفوا ربهم بالقدرة على ذلك تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً". المقالات ٢/ ٢٤٧.
(٤) يونس آية (٩٩).
(٥) في - ح- (آجبار).
(٦) في - ح- فيها (بخلاف).
(٧) (لا مشيئة الإجبار) ليست في - ح-.
(٨) يعني بذلك أنه يستوي التقدير أن في الآية بأن تقول: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} قهراً وجبراً، أو تقول: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} باختيارهم ورغبتهم فلا مانع من التقديرين من ناحية لفظ المشيئة.

<<  <  ج: ص:  >  >>