للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدار (١)، فقالت لعبدها: شئت أن تدخل الدار ولا أجبرك عليه، فإنها تطلق بإجماع الفقهاء، ولو أجبرته حتى دخل الدار وحملته بغير اختياره فدخلت به الدار كان في وقوع الطلاق خلاف بين العلماء (٢)، فدل على أن إطلاق المشيئة إنما يصرف إلى إرادة المأمور باختياره وأن إجباره على الفعل لا تنصرف إليه المشيئة.


(١) في الأصل (أن يدخل الدار ويدخل) وفي - ح - كما أثبت ولا معنى لكلمة (ويدخل) هنا والله أعلم.
(٢) لعل مراده بهذا المثال أن لفظ المشيئة يصدق فيه معنى الاختيار والرغبة والإرادة أكثر من معنى القهر والإجبار، فلهذا إذا قالت لعبدها شئت دخولك الدار صار هذا دالاً على المشيئة التي أوقع عليها الطلاق به فتطلق، أما إذا أدخلته الدار قهراً فلا يكون دالاً على المشيئة منها لأنه قد تكون أدخلته الدار وهي كارهة إدخاله لضرورة أو لحاجة، فلهذا لا يصدق القهر والإجبار على المشيئة كما يصدق عليها الاختيار والرغبة، وفي هذا رد على المعتزلة الذين زعموا أن الآيات التي نص الله عزوجل فيها على أنه لو شاء لفعل خلاف ما وقع مثل قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} وقوله: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} حيث زعموا أن المراد لو شاء إجبار الناس وإكراههم على الهداية والإيمان للفعل، ليصلوا بذلك إلى إنكار واقع الحال من أن الناس مرتبطة مشيئتهم بمشيئة الله عزوجل فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فزعموا أن الله عزوجل ترك للناس الاختيار فلا مشيئة له ولا قضاء نافذ فيهم، بل ما شاؤه كان وما لم يشأؤه لم يكن، فخالفوا بذلك نص القرآن في قوله عزوجل {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} {وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وخالفوا جماعة المسلمين بقولهم: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

<<  <  ج: ص:  >  >>