للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكون الصيغة أمراً وإن كره المأمور به (١).

وأما قوله: يكون الأمر تهديداً والتهديد (٢) أمراً فغير صحيح، لأنا قد قلنا الأمر (٣) هو استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب عند من قال: إن المندوب ليس مأموراً (٤) به (٥)، والتهديد ليس باستدعاء الفعل فبطل ما قاله.

استدل المخالف: أن العقلاء متى سمعوا أو علموا أن الواحد أمر بشيء من الأشياء علموا أنه مريد لحدوثه.

والجواب: أنا لا نسلم، بل قد يحسن من الأشياء الأمر بالشيء ولا يريد حدوثه. ألا ترى أنه لو كان لرجل عبد وكان لا يطيعه فيما يأمره به فعاقبه على ذلك وشكاه العبد إلى قاهر له أو صديق له فقال له: لم عاقبت عبدك؟


(١) ما ذكره الشيخ هنا يتعلق بالأمر الذي يلزم منه المحبة، فقد يأمر الإنسان بأمر لا يحبه لسبب من الأسباب الطارئة عليه، وهو دليل على أن الأمر قد يفارق الإرادة بالنسبة للإنسان الذي قدته وطاقته محدودة لا يستطيع أن يأمر بكل ما يريد ولا يوقع كل ما أراد، أما بالنسبة لله عزوجل فإنه إذا أراد شيئا وقعت وإذا قضى قضاءا نفذ، إلا أن كلمته اقتضت أن يمتحن العباد بالأوامر والنواهي ليسعد بعضهم بطاعته ويشقى بعضهم بمعصيته، فأمرهم بأوامر شرعية أحب وقوعها منهم، ونهاهم عن نواهي كره وقوعها منهم، فهذا النوع من الأمر يلزم منه الإرادة التي هي مستلزمة للحب والرضا وعلى هذا تحمل جميع الأوامر الشرعية، ثم إنه جل وعلا له الأمر النافذ والإرادة التامة المستلزمة لوقوع الفعل من عباده بالنسبة للطاعة والمعصية، فمن أراد منه الطاعة وقعت لا محالة وهذا يصدق فيه أنه أمره بأمر شرعي أراد وقوعه مه قضاء وقدرا وأحبه ورضيه، ومن أراد منه المعصية وقعت لا محالة وهذا يصدق عليه أنه نفذ فيه أمر الله الذي لا يختلف، وأنه أمره بأمر شرعي لم يرد وقوعه منه وهذا هو الذي ينكره المعتزلة مع ظهوره ووضوح الدلالة عليه من القرآن والسنة كما هو ظاهر في كلام الشيخ - رحمه الله -.
(٢) في - ح- (أو التهديد).
(٣) (الأمر) ليست في - ح-.
(٤) في - ح- (بأمر به).
(٥) أنكر الكرخي والرازي والجصاص أن يكون المندوب مأمورا به، والأكثر على أن المندوب مأمور به فعلى هذا يقسمون الأمر إلى أمر إيجاب وأمر ندب. انظر: نزهة الخاطر العاطر ١/ ١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>