للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالوا (١): لو كانا اثنين لم يخل إما أن يتم ما يريدان، أو لا يتم ما يريدان أو يتم ما يريد أحدهما، فإن تم ما يريدان أدى إلى اجتماع الشيء وضده إذا أراد أحدهما إحياء شيء وأراد الآخر موته، أو أراد أحدهما وجود شيء وأراد الآخر عدمه، وإن لم يتم ما يريدان أدى إلى تناهي قدرتهما وعجزهما، والعاجز لا يكون إلهاً، وإن تم ما يرد أحدهما دون الآخر كان من تمت إرادته هو المستحق للإلهية، فثبت القول بأن الإله واحد لا شريك له (٢).

فالقدرية لا يتم ما يريد إلههم، لأنه لو أراد الإيمان من الكافر والطاعة من العاصي، وأراد إبليس من الكافر الكفر ومن العاصي المعصية، فلم يتم ما أراد الله وتم ما أراد إبليس، فعلى مقتضى قولهم أن المستحق للإلهية هو إبليس دون الله ويتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

وإنما شبه النبي صلى الله عليه وسلم القدرية بالمجوس (٣)، لأن المجوس قالوا: النور يريد الخير ولا يريد الشر (٤).


(١) في - ح- (فإن قالوا).
(٢) انظر تفصيل هذا الاستدلال في كلام شيخ الإسلام في: درء تعارض العقل والنقل ٩/ ٣٥٤ - ٣٦٨.
(٣) تقدم ذكر الحديث وتخريجه ص ١٤٦.
(٤) تقدم كلام الشيخ على ذلك والتعليق عليه ص ١٨٠. والأثر عن ابن عباس يبين أن الإيمان بالقدر والتوحيد متلازمان، فمن أنكر القدر فقد نقص ما يدعيه من التوحيد، فبين الشيخ هنا أن المعتزلة نقضوا ما يدعونه من توحيد الربوبية بإنكارهم للقدر، وذلك لإنكارهم الانفراد بالخلق وكذلك عموم الإرادة والتشبيه فلم يتم لهم بناء على ذلك إثبات توحيد الربوبية وهو الإرادة والتصرف المطلق من جميع النواهي، بحيث لا يخرج شيء في هذا الوجود عن ملكه وقدرته وتصرفه، ومشيئته وإرادته فيه نافذة ليكون بذلك ملكه وتصرفه ملكاً وتصرفاً تاماً، وهذا هو توحيد الربوبية الذي ينقضه المعتزلة بإنكارهم القدر. وتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، فما دام هو الرب الخالق المالك المتصرف فيلزم من ذلك أن يكون هو الإله المعبود وحده، فمن انتقض عليه توحيد الربوبية فقد انتقض عليه أيضاً توحيد الألوهية لما بينهما من التلازم.

<<  <  ج: ص:  >  >>