للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأجاب المخالف عن هذا بأن قال: لا حجة بهذا لأن التكذيب بالقدر (١) يقتضي نقص التوحيد: هو الذي يقتضي نسبة فعل الله إلى غيره، ولم يثبت أن المخازي فعل الله حتى يكون من نفاها عنه، ناقضاً لتوحيده، بل قد ثبت بالأدلة التي (٢) مضت (٣) أن المخازي والمعاصي من أفعال العصاة والفسقة، وإنما يكون نافياً لقدر الله من نفى عنه شيئاً في النعم والخيرات من الحياة والعافية، أو في المحن التي يبتليهم بها من المرض والخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس (٤)، لأن هذه الأمور لا يتولاها غيره، ولذلك لم يصح أن يأمر بها أحداً من عباده ولا أن ينهاه.

والجواب أن يقال: لهجك بتسمية الأفعال مخازي ومعاصي وخبائث لا يقر ذلك صحة المذهب ولا إبطال قول خصمك بأن الله له أن يخلقها، فقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الكلب خبيثاً (٥)، ولا يدل ذلك على أن الله لم يخلقه، وقد بينا فيما مضى (٦) أن هذه الأفعال إنما تسمى معاصي وخبائث ومخازي في حق من حرم عليه فعلها وهم العباد المكتسبون لها، ولا تسمى بذلك في حق الله وإن كان خالقها، وأيضاً فإن كانت العلة التي تقتضي نفي خلق الله لأفعال المعاصي في العباد كونها خبائث وقبائح، فإن هذه العلة التي تقتضي غير موجودة في أفعالهم (٧) بالطاعات، بل تسمى بضد هذه الأسماء فيقتضي أن الخالق لها هو الله، لأنها طاعة حسنة جميلة، وإذا ثبت خلق الله لها لزمكم أن


(١) هكذا العبارة في كلا النسختين ولعل فيها سقطاً وهو (الذي) فتكون العبارة: لأن التكذيب بالقدر (الذي) يقتضي نقض التوحيد.
(٢) في - ح- (قد مضت).
(٣) انظر: ص ٢٠٨ وما بعدها.
(٤) في - ح- (والأنفس والثمرات).
(٥) تقدم تخريجه ص ٢١١.
(٦) انظر: ص ٢٠٩.
(٧) في - ح- (أفعاله).

<<  <  ج: ص:  >  >>