للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون الله خالقاً لأفعالهم في المعاصي والمباحات لأن أحداً لم يفرق بينهما.

وأما قوله: إنما يكون نافياً لقدر الله من نفى عنه (١) أفعاله في النعم في الحياة والعافية أو في المحن وهي الابتلاء بالخوف والجوع، فغير صحيح، لأن أجلَ النعم التي أنعم الله بها على العباد الإيمان بالله وبرسوله وياليوم الآخر، فينبغي أن يكون الله خالقاً لتصديق العبد بذلك ولأعمال الطاعات مثل أفعال الصلاة والحج والجهاد، وقد أخبر بذلك بقوله: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَان} (٢) فتكون هذه النعمة من جنس النعم (٣) عليه بالعافية والحياة، وأعظم المحن والابتلاء المحنة بالمعاصي، فينبغي أن يكون الله خالقاً لأفعاله فيه لأنها أعراض في العبد فتكون مخلوقة فيه كالأعراض التي فيه من الجوع والخوف.

وأما قول المخالف: بأن الحياة والعافية والجوع إنما كانت خلقاً لله لا يصح الأم بها ولا النهي عنها، فغير صحيح. لأن الأمر والنهي والمدح والذم إنما لا يصح في هذه الأشياء، لأن الله لم يقدر العبد عليها ولا جعلها من كسبه، وهذه الأفعال أقدر الله العبد عليها وتنسب إلى العبد، والحركة من العبد في الأفعال الاختيارية في المشاهدة كالحركة في الأفعال المضطر إليها كرعدة الحمى والخوف، فإذا ثبت أن الله خالق لحركة العبد في الاضطرار إليها كرعدة الحمى والخوف، فإذا ثبت أن الله خالق لحركة العبد في الاضطرار كان خالقاً لحركته في الاختيار.

وأجاب المخالف: على أن امتناع مرا الله إنما يلحقه العجز بذلك إذا أراد إلجاء عبد على فعل فامتنع منه، وأما إذا لم يرد إلجاءه ولا مغالبته لم يلحقه العجز بامتناع ما أراده من غيره، وكذلك إذا امتنع ما أراده من فعل نفسه فم يتم، لحقه العجز وبغير هاتين الصورتين لا يلحقه النقص، هذا تحقيق قوله.


(١) في - ح- (نافيا لقدر الله من نفى عن نفسه).
(٢) الحجرات آية (١٧).
(٣) في - ح- (حسن النعم).

<<  <  ج: ص:  >  >>