للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختيار ولا إجبار، لأن الخبر عام ولا معنى لتخصيص مشيئته بالإجبار (١) على ما يدعي المخالف فقد مضى الدليل على إبطال دعواه لذلك (٢).

والجواب الثاني أن نقول لهذا المخالف: وما ننكر أن يدعي خصمك أنهم أرادوا {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} أي ما أجبرنا على ذلك، ولكنه أجبرنا على ذلك فأكذبهم أنه ما أجبرهم ولا اضطرهم إلى ذلك، ولكن وقع الشرك منهم بخلقه له (٣) وإيثار واختيار منهم له، ونقابل ما ادعيت أن مشيئته هدايته لهم مشيئة إجبار بما ادعاه المشركون من أنه أجبرهم، وكل جواب لك عن هذا فهو جوابنا لك عن مشيئة الهداية أنها إجبار.

والجواب الثالث: أن يقال إنهم (٤) لم يقولوا لو شاء الله ما اشركنا ولا آباؤنا، مصدقين بالله وبمشيئته، ولكنهم قالوا ذلك على سبيل الاستهزاء والتكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم، كما قالوا لما أمرهم بالاتفاق مما في أيديهم {أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} (٥) فأكذبهم الله على ذلك بقوله تعالى: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ … } الآية كما ذمهم ووبخهم على ما قالوه في الإطعام بقوله تعالى: {إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.

والجواب الرابع: أن يقال: إنما ذمهم الله ووبخهم على إشراكهم وتكذيبهم للرسول ولم يذمهم على قولهم: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} لأن الله قد قال في آية أخرى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} (٦) والدليل على هذا أنه قال: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} وكذلك في النحل {كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (٧) ولو كان الذم والتوبيخ على قولهم: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا


(١) وذلك أن القدري يدعي أن قول الله عز وجل: {فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِين} أن معناها: فلو شاء الله لأجبركم على الهداية ولكنه لم يشأ ذلك وإنما أراد منهم أن يختاروا هم الإيمان بأنفسهم. انظر: كلام القدري في الدامغ الباطل ورقة ٣٧/أ.
(٢) انظر: ما تقدم ص ().
(٣) في - ح- (بخلقه لهم له).
(٤) في - ح- (لهم).
(٥) يس آية (٣٣).
(٦) الأنعام آية (١٠٧).
(٧) النحل آية (٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>